مساهمة الأستاذة نورة عبيد في سهرة الوفاء لروح توفيق بكّار



يا لَلْأدب الذّي وقدْتَ زِناده!

المحور من كل متحرّك محرّكه، ومحرّك عرضنا "تغريدة وفاء" كان ثنائيّ صالون معابر للقراءة والكتاب الأديب الشّاعر لطفي الشّابّي والشّاعرة الأديبة نورة عبيد اللذان توليا مهمّة التّنشيط في تناغم بديع.

نورة عبيد أضافت إلى تدخلاتها الرشيقة الرّابطة بين فقرات العرض، نصّا أنشأته حول الأستاذ الرّاحل. نصّ ينضح بالشّاعريّة والأحاسيس الذّاتية والعرفان، ولا يخلو من قراءة أدبية لأعمال أستاذ الأجيال، كل ذلك في تفاعل مع محتويات العرض.

فإلى الصّديقات والأصدقاء، أوفياء ورشة الهكواتي، نصّ الأستاذة نورة عبيد:


يا لَلْأدب الذّي وقدْتَ زِناده!

إلى المترحّل في الدّمّ الآتي ... توفيق بكّار


اسمه بوصلتي. قراءاتُه عدساتٌ مكبِّرة.  قياساتُه دقيقة. عطف قلبي على الفكر والفن شمالا وجنوبا عقد نصّا بالنّصّ ... وشرّع ابوابا وأضاء مهجا.
تعالَ يا مسعدي (محمود) حدّثني عن إدراك الكلّ. تعال ببيان النّسيان أجرّب مولده قدر الإمكان.
تعال يا الدّوعاجي (علي) بمنظر شاذ لا يتدخّل فيه قاصّ أو ربّ بغير بعث الرّعدة في طيور الجماد.
تعال سي البشير خريف ودارني بما يُدارى. القنطرة منهارة. وأنت حاتم المكّي أسعفني بنكتة أو إشارة.
وأنتم عيون الادب بعيون المعاصرة عيون العيون. يحدّث عن تونس كما يحدّث عن السّودان والعراق ومصر، وأينما بات النّصّ نصّا تلقاه في العلامات وعودة النّصّ.
ما ضحك الفنّ التّونسيّ إلاّ بلفتة نوعيّة من الجليل توفيق بكّار. يحدّث عن الأدب والفنّ التّشكيلي والمسرح والسينما والفنّ الشّعبيّ. يحدّث عن الإنسان بكون عاطف عاصف فكان " فصيّل ما كتبوش بكّار ".
إذا حضرت الرّيشة كتب، وإذا حضر القلم رسم، وإن أغرقوا يسّر ووضّح، وإن أفصحوا ألغز ما أبعدوا. إذا بكوا غنّى، وإذا رقصوا نحت لعلّ النّحت يبطل فساد الجسد الأكيد.
توفيق بكّار شقّ بالنّقد مسالك جديدة طريفة أسّست لقراءات بديعة في الشّعر والنّثر. طريق واعرة ... و" آه من الطّريق الواعره".

نورة عبيد ولطفي الشّابّي ينشطان "تغريدة وفاء" في حوار ثنائي متناغم

توفيق بكّار فاتح نصوص نقديّة جدليّة قائمة على الخبرة والمعرفة والموهبة. مؤسّس "القراءة المشروع". تشير وتثير، تعيد وتغيد. بناء جماليّ لا يحجب مثقال ذرّة لحطة من لحظات الوعي الإبداعي. إنّه نقابيّ مسكون بصفاء الحقوقيّ..
 بناء جماليّ مصوغ بترتيب عالم. لا ينتصر لحداثة عرجاء ولا يتصدّف في أصالة بتراء. عجينة من علوم النّقد عطرة. تفوح بخبز هو ماء الأدباء والفنّانين؛ النّقد. الحلقة الواصلة الضامنة لعبور النّصّ.
النّقد المؤسّسة الصّانعة للتّقاليد الإبداعيّة. النّقّد بالنّاقد يعيد ترتيب البلاغة وإن لوى عنقها..
هو إذا كتب عن "نصوص" أو "صانعي نصوص". عن "لوحات" أو خالقي لوحات" لا يخبر ولا يجبر المكسور. يجيب بالمصنوع عن الصّانع. يحدّث بالكون ولا يسارع للفساد. ماهر في إدارة الموجود لأنه عليم بالمنشود.  منشود الأقطار والأمم على حدّ السّواء. منشود التّخييليّ في غسق التّسجيليّ.
ما مرّ قلم إلاّ بقلم. ما عبد نهجا ولا كان صنما. أسّس لقراءة تستشرف المستقبل. فمكث متجاوزا "النّظريات" والعلامات بكتابة جامعة للسّياقات. سياق يعبر آخر. كون ينهض بكون دون نقصان شأن الخلق به برهان!
عودوا إلى ما كتب وقدّم. عودوا إلى إشاراته في الادب القديم والجديد. الرّجل هو الرّجل. القراءة علم متعدّد الوسائط بعضه يخدم بعضا. "النّقد مدنيّ بطبعه" ماعونه لا يُمْنَعُ.
قراءة توفيق بكّار للأدب تعتبر ممّا حدث في الأزمان. تقرّب بين الابدان والأذهان. توليد إبداعيّ من وَليد إبداعي صورته أنت -أيّها القارئ- لتسكن الأدب وتجعله جوارا سابعا إن شئت. فصدق من أقامك "سيّد الكلمات الوضيئة."
 تعامل مع نصوص عبّرت عن أزمات ومآزق حضاريّة واختلافات في التّلّقي والتّأويل. و"خلّى الرّيح يدور" ...
حاول بالنّصوص الكبرى تأصيل حاجة متأكّدة تُعرف بالحقّ. والحكمةُ ضالتّها في فراءتها. تؤخذ أنّى وُجدت. هي إن دلّك عليها بكّار مُحْكمة البناء، تُعْرفُ بأحوال ما حفّ بنا وحلّ بقربنا.

نورة عبيد تلقي نصّها على ركح فضاء الهواء الطلق بالمكتبة المعلوماتية بأريانة ووراءها مجموعة الجسر الصّغير وعلى اليمين شاشة تذكّر بصعود الرّاحل توفيق بكّار إلى ركح دار الثقافة ابن رشيق ليلتحق بنا ذات عنقود العنب قدمته له "معابر" سنة 2014
جاور المجدّدين و الطّليعيّين و من سكنهم تسريح الهموم و رعي النّجوم فهات يا هكواتي ما لم يكتبْ صالح الخميسي.
توفيق بكّار بعد رولان بارت لم ينتجب مشرفا وظلّ أستاذا عظيما حبيب الآلاف.  أقام في صيرورة النّقد المؤسّس، لا الأكاديميّ الماثل في صناعة الماضي ولا الصّحفيّ المهتمّ بالحاضر. النّقد الواصل الماضي بالحاضر المستشرف للمستقبل. نقد ولاّد للمبدعين يدلّ على الرّهانات الكبرى...
والآن. أنت هناك. ستروي في نماء الجدل. وأنا هنا أنّقط محنا. ولنا في معراج الوريث سلوى ورؤى.
محنة أن تغادر وأعلم ويعلمون أنّك رحلت. لست ما يرحل. ما حاجتي للذّكرى والصّور.  فلتُحدّثوا عن دروسه وعليكم ألاّ تَسلوْا " وذات دلّ". لتُتِمّوا الفتح. لا ترتِّجُوا الباب.
 يا باب المدينة حدّثْ: ما عشق إلاّ دروبا وعرة ومحامده إن ذكرت طُرّتْ. بقدر ما لقيتك خشيتك. ما كبرتُ حتّى أخدش صفاء كونك. انت كون لا يميد. فيا لَلْأدب الذي وقدتَ زناده!


نورة عبيد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني