المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠٠٨

صفقة عمري

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 17 من 53 – 30 ماي 2008 صفقة عمري حمار ابن حمار هذا الذي في يده مقود "البي آم"* البيضاء. حمار يلبس ثيابا، وإلاّ لما كان خاف إلى هذا الحدّ من أن يقطع كلب عليه الطّريق، فكاد يتسبّب في حادث فظيع، إن لم يكن قد تسبّب فيه فعلا. فأنا لم يكن لديّ الوقت للالتفات ورائي ومعرفة ما جرى بعد عبوري بسلام. كانت سرعة سيرنا لا تقلّ عن المائة كيلومتر في السّاعة وكنت وراءه، على مسافة أمتار قصيرة، منهمكا في مناورة ملّيمترية أعبر بها بينه وبين شاحنة "أو سو زو" كانت على يساري تحاول بدورها مجاوزته. وإذا به يفرمل بشكل مفاجئ فيكاد يجبرني على النسج على منواله والاصطدام بالسّيارة التي كانت تتبعني بنفس السرعة محاولة العبور بدورها من الفتحة التي كنت أحدثها بين هاتين السيارتين. من حسن حظّي أنّني رجل يتحكّم جيّدا في السّيارة ولا يتردّد أبدا في استعمال دوّاسة البنزين حيث يستعمل آخرون دوّاسة المكبح. هكذا فقط نجحت في الإفلات من وضعية حرجة كهذه. وإلاّ لكان اصطداما يجرف عشر سيّارات على الأقلّ. نعم، وحدها السّرعة أنقذتني من أن أعجن داخل سيّارتي. ***** ولكن ركوبي كلّ هذا الخطر

حجّة الغائب

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 16 من 53 – 23 ماي 2008 حجّة الغائب كالعادة، انفجر كقنبلة من كلمة بسيطة قلتها له. صاح آآآآه. ثمّ لاذ بصمته وسدّ أذنيه كالعادة ليتركني أشرح رأيي فيه لأثاث الصالون. كنت أراه يغلي في داخله غليانا. وكان واضحا من أذنيه المحمرّتين ووجهه المتعرّق أنني كنت أقول له من حقائقه ما يلامس الدمّل القديم المتقيّح في أعماقه. هكذا الحقّ، جارح أبدا، خاصة متى يكون واضحا للعيان، ولا يمكن نكرانه. أنا دائما أقول له رأيي فيه بصراحة لأنّني أحبّه فعلا. فلو كانت نقائصه في شخص أخر غيره لتجاهلته لأنّ شأنه لا يهمّني. أمّا هو فزوجي وحبيبي ولا أقبل أن يكون ساهيا عن حقيقته. هو رجل طيّب لا محالة، حنون لا محالة، ذكيّ لا محالة، ولكن طبعه حادّ وآراءه قاطعة تنفّر منه المجتمع بأسره. وأنا أريده أن يتحسّن، أريده كاملا أو أقرب ما يكون من الكمال. هكذا أريد زوجي وهكذا كان يمكنه أن يكون لو سمع كلامي وراجع مواقفه مراجعة جذرية. لذلك إنّما أقسو عليه أحيانا. ولكن ما بالطبع لا يتغيّر. فقد مرّ أكثر من ربع قرن، لم استطع خلاله أن أغيّر فيه ولو مثقال ذرّة. لو كان اعترف لي بصحة رأيي فيه وبتفوّقي عليه في فهم ال

تعيش وترحّم

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 15 من 53 – 16 ماي 2008 تعيش وترحّم في الحومة مأتم هذا الصّباح. هذا "غفّاص" آخر يقصد الرّحمان. أذكروا موتاكم بخير يا أحياء. الله يرحمه ويغفر له عناده. راهنتهم، منذ أن كنّا سبعةً متقاعدين. كنّا ننبض حياة، وكنّا نصلّي معا، ونلعب الورق معا، ونطوف معا في المدينة بأزقّتها العربي وأحيائها الجديدة التي ما تزال تنبت كالفقاقيع خارج السّور. كنّا معا نعزّي المتبقّين معنا، ونأكل الكسكسيّ واللحم مساهمة في التّرحّم على الأموات ونعود إلى الرّبط لننتظر أدوارنا. راهنتهم على أن أكون أنا آخرَ مغادر وأن آكل رؤوسهم فردا فردا، وأن أقتات من كسكسيّ مآتمهم، وأن لا ألتحق بالجبّانة إلاّ وستّتهم فيها راقدون. أربعة خسروا الرّهان بعد والخامس لحق بهم. ولم يبق لي من كلّ أفراد العصابة إلاّ رفيق واحد. ولكن من يكون المسافر اليوم ؟ النّاجي الفاني أم عثمان الشّرش ؟ ومن منّا سيربح الرّهان ويضحك على ذقون الجميع في النّهاية ؟ قد يسأل البعض كيف عرفت، وغرفتي ما تزال مغلقة تسبح في الظلمة، ولم يدخل عليّ أحد ليعلمني. وقد يجيب آخرون إنّ الأمر بسيط فرائحة كسكسيِّ المأتم بدأت بعدُ تفوح في الزّق

عنقود العنب

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 14 من 53 – 09 ماي 2008 عنقود العنب صرخة المرأة الملتاعة التي دوّت في شاطئ رفراف زعزعت كياني. كان الشاطئ شبه فارغ. فالربيع لم يكن قد انتهى بعد، ولم تكن جحافل المصطافين قد اجتاحت قريتنا بعد بأعداد كبيرة. كنت ممدّدا على الرّمل فوجدتني فجأة، وقد انخطف قلبي، أنهض كالمصعوق بالكهرباء. تركت زوجتي وقد كانت ممدّدة بقربي وما كان يبدو أنّها سمعت شيئا، وهببت مندفعا إلى الماء لا أدري إن كان عليّ أن أجري أم أن أسبح. كان واضحا أنّ المرأة المستغيثة غريبة عن القرية ولا تحسن السّباحة. كان الماء يصل إلى مستوى سرّتها. وكانت تصرخ وتهمّ بإلقاء نفسها وراء ابنتها الصّغيرة التي أخذها منها الموج إلى الدّاخل. أمّا أنا، فكنت أسرع نحوهما وأصيح بالمرأة أن تقف في مكانها ولا تتقدّم أكثر حتّى لا يجرفها التّيّار هي الأخرى. ومن حسن حظّها وحظّ البنيّة أنّها امتثلت، وإلاّ لكانت واحدة منهما على الأقلّ قضت غرقا. ***** خرجت بالبنيّة إلى الشّاطئ وأمّها تتبعني ولا تكفّ عن النّديب. قلبت الغريقة على رأسها لأفرغها قدر الإمكان ممّا ابتلعته من ماء البحر. كانت فاقدة الوَعي أو تكاد. أخذت أضمّها إلى صدر

إلى اللقاء القريب...

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 13 من 53 – 02 ماي 2008 إلى اللقاء القريب... "تعبت من انتظارها"، قال. ثمّ سكت. أخيرا تكلّم... انشرح وجهه فبدا لي مطمئنّا وعلى جمال أكيد. ما شجعني على قضاء ردح من الليل أسامره وأحثّه على القول فيحدّثني حديثها، بين صمت طويل وصمت أطول. وهذا تقريبا، ملخّصُ ما قال لي عنها: ***** كانت لجدّي - قال - "سانية" صغيرة، كنّا نسمّيها "سانية المَصْيَدْ". كانت بعيدة عن المدينة العتيقة، تمتدّ في الشّاطئ الصّخري ذراعا لا يكاد ينبت زرعا إلاّ مدخلُه، حيث كانت تنتصب توتتان وخرّوبة فارعة الطول وشجرتا تين. وكانت أغصان كلّ هذه الأشجار التي لا يعرف لها سنّ، تتشابك على مساحة ضيّقة فتشكّل حاجزا آخر بعد طابيتي الهندي* والصّبّار، يمنع أعتى الرّجال الأغراب من التّفكير في مجرّد عبور السّانية إلى الشّاطئ. وكانت ما تزال هناك برّاكة عزيزي* الشّهيرة، وهي عبارة عن مغارة علي بابا فيها شباك و"قارور"* وأدوات صيد مختلفة ومواعين أخرى. وعلى رشم الماء زورقه الصّغير المهمل منذ موته قبل قرابة الأربع سنين أو أكثر. فخالي كان قد هجر الفلاحة والبحر ليشتغل بالبناء.