المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, ٢٠٠٨

الشّيخ وشقفة الفسيفساء

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 21 من 53 – 27 جوان 2008 الشّيخ وشقفة الفسيفساء "لو لم أكن عميت عن فهم أهمّية ذلك الوتد الحديديّ اللعين وذلك السّلك الغليظ المشدود إليه، لما أقدمت على لمس الحائط بضربة مطرقة واحدة. ولكن هو القضاء، يا أخي، إذا طرق بابك فلا رادّ له مهما كان احتياطك. وكلّ ما تبقّى، ليس أكثر من أسباب منطقيّة إليها يطمئنّ العقل لتفسير ما حدث." كنت هناك للاختلاء بنفسي قبل اتخاذ قرار خطير قد تكون عواقبه كارثيّة. ولم أكن قد عرفت السّيّد سابقا أبدا، ولا كنت بادرته بالكلام. بل لقد وقفت لاستقباله مرغما أو أكاد. ومع ذلك فقد فرض حضوره عليّ وشرع يروي لي قصّته حالما انصرفت حفيدته التي اقتادته وأمُّها إلى كرنيش "الفالاز". أخذ يتنهّد متحسّرا على نفسه والدّمع من عينيه على أهبة الهطول، وكأنّه أوّل من كسرت ساقه واضطرّ إلى الاستعانة على المشي بعكّازتين. لو كان يعلم ما كنت أعاني أنا، لهان عليه ألمه قطعا. ولكن لا يهمّ هذا الآن. المهمّ أنّني توصّلت إلى كتم ما كان يغلي بداخلي وإلى قبول جلوس غريب إلى جواري على هذا البنك الوحيد المشرف على الفالاز. بل لقد أخذت منه عكّازتيه وساعدته

ملفّ فرحان الهاني

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 20 من 53 – 20 جوان 2008 ملفّ فرحان الهاني من قال إنّ الواقع مجال الوقائع العاديّة والتّصرّفات الرّصينة والمواقف المتوازنة والظواهر المفهومة بالمنطق، وإنّ الخيال هو موطن الغرابة الطّبيعي ؟ خطأ كلّ هذا. فالواقع اليوم صار أغرب من كلّ غريب. وما يفرزه يوميّا لا يخطر على بال أشهر كتّاب الفانتازيا ولا يقدر على تصوّره أمهر مؤلّفي الخيال العلمي. النّاس، كلّ النّاس في هذه المدينة المترامية الأطراف ... العابرون، كلّ العابرين من هذه الدّنيا الهادرة التي تطحنهم أخضر ويابس وتضغط على نفوسهم كبيرا وصغيرا ورفيعا ووضيعا، لا تستثني منهم أحدا... جميع البشر، قلت، على قاب قوسين من الانهيار النّفسي. اسألوني أنا وسأروي لكم عجائب. فعليّ يمرّ من أصناف البشر ما لا يحصى. الكلّ يتألّم من كلّ شيء والكلّ ينزعج من كلّ حدث ولا يعرف للاطمئنان مسلكا ولا للفرح سبيلا. وهكذا تراهم يأتون أفعالا ويتفوّهون بأقوال لا تدري أمامها إن كان ما يزال يحقّ لك أن تضحك أم أنّه يحسن بك الشروع في البكاء قبل أن يأتي دورك لتُخرج منها ما هو أغرب. هاكم مثلا ما جرى عليّ أنا بالذّات يوم أمس. كان حدثا لا يصدّقه ال

نوارس الجمعة 13

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 19 من 53 – الجمعة 13 جوان 2008 نوارس الجمعة 13 صدّقوا أو لا تصدّقوا، والصقوا بي ما أردتم من التّهم، ودوّنوها إن شئتم على شاهدة قبري. ولكن هي شهادة كتمتها لجبني عقودا، وكان لا بدّ أن أفضي بها اليوم قبل أن أموت وعليّ ذنب حجب حقيقة أو جزئ منها يمكن أن يساهم في كشفها كاملة في يوم ما. يذكر كبار السّنّ مثلي، ولا شكّ، حلقة كانت تنتصب كلّ عشيّة في بطحاء مقهى الباب تحت سور المدينة وتتكوّن من شبّان، منّا الزّيتونيّ ومنّا الصّادقيّ، كنّا نطلق على أنفسنا اسم "عصبة تحت السّور" تشبّها بجماعة تحت السّور التي كانت قائمة آنذاك في باب سويقة بالعاصمة مع تلميح خفيف إلى عصبة الأمم حيث كانت تدرس القضايا الدّوليّة. ولعلّ بعض الأحياء مازالوا يذكرون أيضا عثمان المعتوه، أو عثمان الحفيان، لأنّه لم يكن يلبس حذاء في الصّيف ولا في الشّتاء. وقد كنّا ندعوه إلى مجلسنا فندفع ثمن قهوته ونلزمه بأن يقرأ علينا ما كان يدّعي أنه من مستحدث الشّعر، وهو كلام بسيط العبارة، غريب الإيقاع، ضبابيّ المعاني. كان قولا أقرب إلى سجع الكهّان قديما. كنّا نتملّقه في بداية كلّ جلسة فنمدح شاعريّته لنستهض

دائرة الوسط

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 18 من 53 – 06 جوان 2008 دائرة الوسط لكزتني بمرفقها وهي تمرّ بجانبي، وصاحت فيّ مخاصمة دون أن ترفع عينيها عن الأرض: - "هكذا تبقون إلى الأبد، لا غوث منكم للاجئ، ولا هداية لغريب تائه" وانـحنت كما تنحني ممثّلة لتحيّة جمهورها مرسلة يدها بإشارة عريضة من سبّابتها إلى حديقة مفترق الطّرق أو "دائرة وسط الكون" كما سمّيتها من يوم زرعت فيها كرة أرضيّة. وحين قدّرَتْ أنّني استوعبت خطابها جيّدا وفهمت إشارتها تماما، استقامت لتواصل طريقها في اتجاه البحر لا تبالي بأحد. لم يكن من عادتي أن أعير اهتماما لما تقوله دليلة. فهي امرأة نصف معتوهة معروفة بقرفها من صحبة النّاس وبصمتها الأزلي. وحتّى إن نطقت يوما فبما يخطر على بالها كما يخطر على بالها، تقوله لمن يعترضها في جملة قصيرة بإلقاء مسرحيّ مفخّم، بعده تحيّي بكلّ جدّ جمهورها الخياليّ وتمضي إلى سكوتها من جديد لا تنتظر جوابا ولا تحفل بأيّ ردّ فعل. ***** هذه المرّة، وجدتني مدفوعا إلى الالتفات إلى حيث أشارت. فإذا شيخ يبدو غريبا عن المدينة كان يقف حائرا في قلب دائرة الوسط، يحوم حول منحوتة الكرة الأرضيّة متوقّفا عند