المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٠٨

المتـراخية

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 28 من 53 – 29 أوت 2008 المتـراخية ليس خطئي أن كانت أمّي علّمتني أنّ المرأة ينبغي أن تعرف كيف تجعل الآخرين ينتظرونها. منذ أن كنت صبيّة تعوّدت على التّراخي قليلا، قليلا. إلى أن غدا البطء فيّ جبلّة. حتّى أمّي نفسها أضحت في النّهاية منزعجة ممّا علّمتني. فكلّ ما لا يستغرق في العادة أكثر من دقيقة واحدة، يأخذ منّي، بشكل طبيعيّ جدّا، ما يقرب من ربع السّاعة. خاصّة متى تعلّق الأمر باستعدادي للخروج. عندها ينبغي تخصيص ساعة كاملة، فقط للوقوف أمام المرآة. إنّ تكرار التّأخير لمزعج بالفعل. وخاصّة بالنّسبة إلى الرّجال الذين يعتقدون أنّني أتعمّده، لمجرّد أن أجعلهم ينتظرونني. إنّهم لعلى حقّ في ما يخطر على بالهم، ولكنّهم مخطئون. هم على حقّ لأنّني لا أصل أبدا إلاّ متأخّرة، حتّى متى وعدت بأن أكون في الموعد بالضبط. وهم مخطئون لأنّني أكره فعلا أن أصل متأخّرة. نعم، إنّها لمفارقة، خاصة وأنا لا أتفطّن إلى تأخيري إلاّ عند وصولي إلى مكان الموعد. هنالك فقط، أتأكّد، وأنا الواثقة من وصولي في الوقت تماما، من أنّني لم أصل في الوقت بالمرّة، ومن أنّ عليّ عندها دفع الثّمن. ولكنّني لا أتعمّد ذ

مستودع الحجز

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 27 من 53 – 22 أوت 2008 مستودع الحجز كنّا أربعة شبّان لم نبلغ السابعة عشرة من عمرنا بعد. وكان خامسنا يبدو ابن أبيه المدلّل، وهو على مشارف العشرين، لا يرتدي غير الطّراز الممضى من الملابس. ولم يكن قد انتمى إلى مجموعتنا أبدا، ولا كنت التقيته من قبل. وكان قد نجح في استمالة أمّه حتّى أعارته سيّارتها الصّغيرة لكامل اليوم. وها خمستنا ننطلق من دوّار هيشر في اتّجاه تونس العاصمة، ومنها نقصد المرسى. ومرحبا بالشّاطئ. كنّا من أبناء العائلات المسالمة، ولا أحد منّا الأربعة كان يملك ملّيما. ولكن ذلك لم يكن ليمنعنا من تحفيل الجوّ. كنّا جميعا "ترجّيين" وكان يكفينا لنشعر بالسعادة أن نغنّي "فورصة التّرجّي" ونخرج رؤوسنا عبر النّافذة لاطلاق صيحات نغيظ بها الشّباب من مشجّعي الملعب التونسي أو النّادي الإفريقي كلّما اعترضنا بعضهم في طريقنا. أمّا كريم، لأنّ كريم هو محور الحديث هنا، فقد كان يبدو جدّيّا وكان يملك أربعة بطاقات بنكيّة في حافظة أوراقه. فأبوه قد فتح له أربعة حسابات في أربعة بنوك مختلفة، حتّى إذا لم يجد نقودا في هذا الموزّع الآليّ، استطاع أن يسحب من م

نوبة عصبيّة

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 26 من 53 – 15 أوت 2008 نوبة عصبيّة كانت آمنة دائمة الشّكّ في أنّ لأنور علاقة مشبوهة، خارج إطار الزّوجيّة. وكانت تعلن عن شكّها صراحة، أو تترك لسيّء عاداتها أن تفصح عنه عبر تفتيش كلّ أمتعته وتشمّم ملابسه والتّلصّص على أدقّ حركاته وتأويل أبسط فكرة يعبّر عنها. أمّا هو، فكان في موقف أولئك الرّجال الذين لا يشعرون بالرّاحة في حياتهم الزّوجيّة، والذين يضطرّون لأسباب عديدة إلى التّمسّك بقريناتهم. كان يحلف لها دائما أن ليس في حياته غيرها، وأنّه يخلص لها لتمسّكه بمبادئ يؤمن بها، وليس لمجرّد التزامه بواجبات الزّوجية، وأنّه أضحى، لعلمه بأنّها لا تنقطع عن شكّها، يحتاج صبر أيّوب حتّى لا يستسلم للمغريات تدعوه في كلّ حين إلى خيانتها فعلا، بدافع الغيظ على الأقلّ. في ذلك المساء، حلق أنور لحيته واغتسل جيّدا ولبس أجمل ملابسه وتهيّأ لحضور اجتماع جمعية قدماء أبطال الرّياضات الفردية، حيث كان من المفروض أن يتأخّر في السهر. كان ولداهما في المصائف. وكانت آمنة قد قرّرت، درأ للسّأم، أن تقضّي السّهرة مع أعزّ صديقاتها، سارّة، التي وصلت بعد لتأخذها بسيّارتها. فجأة، جاءت لأنور مكالمة ه

عيب ليلى

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 25 من 53 – 8 أوت 2008 عيب ليلى سأحدّثكم عن ليلى. ولكن لن أحدّث عن محاسنها. فكم مجّد محاسنَها الأدباء، وكم منها استلهم القصائد الطّويلة الشّعراء، وكم حدّث المحدّثون عنها فأطنبوا، وتعب سمّار الليالي في تعديد محاسنها، فما استطاعوا لها حصرا. لو حدّثتُ عن محاسنها، لاكتفيت بالقول إنّ المحاسن ما جاورت الكمال ليلى. ولن أحدّث عن اسمها. فكم تغنّى باسمها العاشق والتّائق والفرحان والمحزون والمتفائل واليائس، وكم استحضره أخرق الطّبع فتهذّب وقذرٌ دهرَه فتطهّر وتطيّب. وكم ناجاه أعمى فأبصر وأخرس فنطق، وكم سمعه الصّلب فلان والوحش فاستكان. تغنّيت باسم ليلى فوجدته يُفتّح في الخيال أجملَ الأحلام. ويغذّي في نفس المتهافت أخطر الأوهام. ويصيب بالغيرة الصّبايا من حولها وبالحسد الشبّان من حولي. لو حدّثتُ عن اسمها لاكتفيتُ بالقول إنّ الاسم ما طابت الأحلام ليلى. ولن أحدّث عن عقلها. فهي الحكيمة العليمة. تحدّث فتُسمَع وتقول فتُمِتع وتجادل فتُقنِع. وازنت عقل ليلى فوجدته يزن مئات من جازية بني هلال ومن شهرزاد ألفا وشهرزاد. لو حدّثتُ عن عقلها، لاكتفيت بالقول إنّ العقل، ما أُنْصِفَ أهل العق

قائمة الانتظار

صورة
سنتي على جناح السّرد – النّص 24 من 53 – 1 أوت 2008 قائمة الانتظار طرق الشّاوش منصور بابي حين عاد إلى الحيّ في آخر الليل. جاء يعلمني بأنني مسجّل على قائمة الانتظار الرّسميّة. زوجتي لا يعجبها العجب، طبعا. لذلك فهي لم تر في وجود اسمي على هذه القائمة حدثا يستحقّ أن يصعد من أجله الشّاوش منصور بطمّ طميمه إلى الطّابق الأخير من العمارة، وأن يطرق بابنا في تلك السّاعة المتأخّرة. أمّا أنا، فأصدقكم القول إنّني لم أنم بقية الليل من شدّة الفرح. أخيـرا، تذكّرني المتذكّرون وصرت مسجَّلا على قائمة. أليست العِبرة بالمشاركة دائما ؟ أليس مجرّد الوصول إلى هذه القائمة، دون سعي منّي، شرفا عظيما ؟ رغم الإرهاق الذي أصابني مع مطلع الفجر، تركت شقّتي باكرا لأعدّ العدّة. فالمسألة ليست بسيطة. وقد كان لا بدّ أن أثبت أنّني في مستوى الحدث وأن أكون جاهزا من كلّ النّواحي. كان النّور الخجول المتسلّل إلى أنهج الحيّ ومداخل العمارات، يصبغها بلون الشّرف الذي نالها في ذلك اليوم، بتسجيل اسم أحد مواطنيها في قائمة الانتظار. جلست في مقهى المنعطف في انتظار أن تفتح المتاجر أبوابها. فجاءني النّادل يستملي طلباتي. فقلت له إنّني، من فر