أنا أيضا ... حوماني

أنا أيضا حوماني... فاشهدوا

ورد عليّ ظهر اليوم نصّ أرسلته صديقة كانت قد كتبته ونشرته على صفحتها بالفايسبوك في 30 نوفمبر 2013.
هذا النّصّ رجّني.
رجّني أوّلا للعلاقة الحميمة الصّادقة الّتي تعاملت بها هذه الصّديقة مع أغنية شعبيّة من نوع الرّاب، أو بالتّدقيق مع هذه الأغنية الشّعبية في علاقتها بالصّور التي صاحبتها والتي التقطت في حيّ شعبيّ في مدينة أريانة القديمة التي تشدّ هذه الصّديقة إلى صباها و تحيلها على أماكن وشخصيات وأحداث عاشتها ومازالت تتأجّج فيها حنينا خانقا، وهي المغتربة منذ سنين عددا.

الصّديقة الأديبة كوثر التّابعي

ثمّ رجني ثانيا (هذا النّصّ)، لما حوته الأغنية من عمق لم أنتبه إليه قبل قراءتي هذا النّصّ. حتّى أنّني سارعت بالإستماع إلى الأغنية مرّات ومرّات كي أحاول التثبّت من الخطاب الذي يوجّهه إلينا صاحبها، محمد أمين الحمزاوي. فحاولت تبين الكلمات وكتابتها على صفحة من حاسوبي. ولكنّني للحقيقة أبقيت فراغات اضطررت معها للبحث عن هذه الكلمات على الإنترنت. فقد عنّ لي أن أفاجئ صديقتي بنشر نصّها على مدوّنة ورشة الهكواتي، مرفوقا برابط الأغنية على اليوتوب، وبكلماتها كما رقنتها بيدي، اعترافا لها بأنها فتحت عينيّ على ما كنت غافلا عنه، وحتى أقول لها شكرا على هذه الهدية وأعلن لها ولكل قرّاء مدونتي أنّ لا مبالاتي بهذه الأغنية بالذّات كانت تقصيرا منّي وأنّني أصبحت اليوم حوماني أنا أيضا. وها أنا أعبّر بنشر الأغنية عن تعاطفي مع محمد أمين أو كافون الإنسان أولا وقبل كلّ شيء ثمّ الفنّان المعبّر أحسن تعبير (في هذه الأغنية بالذّات) عن واقع لا يتنكر إليه إلاّ جاحد. أليس كذلك يا أيّها الرّوائيّ الكبير الذي دعا ربّه أن يقطّع أيدي هذا المواطن وأرجله من خلاف، شماتة فيه وهو على فراش المرض ؟؟؟؟

حومانيا أو حمّى الحوماني

نصّ للصّديقة كوثر التّابعي

قالت والدتي انّها أغنية عن أريانة و ستعجبك بالتّأكيد, أمّي التي تدرك تعلّقي بأريانة و هوسي بكلّ ماله علاقة بأريانة تاريخا وحاضرا.
أصابت والدتي اذ أنّ مشاهد الفيديو كليب لهذه الأغنية تدور فعلا في أريانة. بالذات في أزقّة أريانة القديمة حيث ولدت وترعرعت. الأرصفة, علامات المرور, واجهات الدّكاكين ,انعراجات الأزقّة. لم أكن أتوقّع يوما أن يفاجئني مدى الحميميّة التي تربطني بها وأنا أحملق في تلك المشاهد السريعة التواتر ويهدهدني ايقاع الأغنية الكاريبي على بعد ألاف الكيلومترات .
لم أكن أتوقّع أن ينطق صخر الطريق من خلال الشاشة ليخاطبني :انظري, صامدون هنا.... أتحدّاك ان كنت وجدت بديلا لي في أيّ مدينة من مدن هذا العالم. تسكّعي في أرجائه كما تشائين.
أضغط على قرص "قف" وأتأمّل واجهة دّكان  بيع لوازم "الأفراح و لوازم الدّفن.
بين الفرح والدّفن محيط من السخريّة السوداء و المرح المستفزّ.
أرى بنت الستّ سنوات هناك تقتني عود ندّ لوالدها المتمايل ثملا و طربا على "فكّروني" في البيت ولا ينقصه سوى عبق النّدّ لتكتمل نشوته. أرى صاحب الدّكان بشاشيته القانية وعرجه الخفيف في غدوّه ورواحه.  و أتساءل عفويّا يا ترى أين هو من دائرة الفرح و الدّفن تلك
أرى  مدخل الجامع الذي تجاوزت عتبته لأوّل مرّة وأنا في السّادسة عشرة لحضور أوّل درس في أصول الدّين بطريقة تختلف عن درس التّربية الاسلاميّة في المعهد. لم أكن أعرف يومها أنّها أوّل خطواتي على درب التّجربة الاخوانيّة التي ستمتد لسنوات حتّى أواريها ظهري الى الأبد لأعتق فكري أخيرا من نظريّة الاسلام هو الحلّ.
الاسلام دين.
أرى تلك الوجوه التي أعرفها وربّما لا أعرفها بينما يسكنني احساس دفين أنّني طبعا لا بدّ أن أكون أعرفها.
أرى تلك الابتسامات النّقيّة بكلّ التباسات الخبث والاستسلام و اليأس المترع فيها.
             أرى يدي اسكافي ترتقان حذاء رياضيا من قماش و بلاستيك و أراني في منديل المعهد الحبريّ اللون قبالة الماكينة أنتظر في توتر وأرجوه أن يسرع. ان أتيت متأخّرة لساعة الرّياضة ستصفعني الأستاذة السادومازوشية  ثانية و حينها سأجدني مضطرّة للعزوف عن الرّياضة باقي حياتي بينما أنا أحبّ كرة السّلّة والجيمناستيك .
أرى طرقات قصيرة كانت تبدو لي لا نهاية لها عبرتها الاف المرّات جيئة وذهابا لشراء الفحم والخبز وتنفيذ مهامّ "قالت لك أمي" القاسية.
قالت لك أمي سلفني خمسة الاف حتّى اخر الشهر
قالت لك أمي سلّفني قفطانك المغربي
قالت لك أمي راني مريضة ايجا طيّب لي حسو حار...
قالت لك أمي
قالت لك أمي

أريانة اليوم تغيّرت. تغيّرت كثيرا. كغيرها من المدن امتدّت أطرافها و تكاثر ساكنوها وسياراتها  وتعالى هرجهم و ضجيجها و اعتلّ هواؤها بالبنزين و الاسمنت بينما بقيت أريانة طفولتي التي أحملها داخلي خاملة في هدوء قيلولة يوم صيف قائض حالمة نقيّة الهواء كما عرفها أبو القاسم الشّابي أيأم اقامته فيها طلبا للنّقاهة. وهؤلاء هؤلاء من يبتسمون من قاع البوبال من ينامون و يستيقضون على منبّه يأسهم و يتأرجحون في يقضتهم بين الكمية والرّكشة  و غداءهم البايت و عشاءهم البشماط, هؤلاء أنا منهم.
نعم مسكت هذه الأغنية بخناقي من أوّل مرة رأيتها فيها. لذلك قرّرت أن أتراجع الى الوراء أحاول التخلص من حميمية علاقتي بالصّور و جبروتها على نفسي. قرّرت أن أستمع. أستمع فقط.
هذه ليست أغنية. هذه ثورة.
هذه طفرة ابداعية.
انّه عجين من سباب الركشة و همس الزّوايا و الأضرحة و ايقاع بوب مارلي و تمرّد شيقيفارا. انّها شاعريّة الحوماني من قاع البوبال و هو يتمرّغ في بؤسه ويأسه وليس من منابر الصالونات و الأبراج العاجيّة. انّها لغة جديدة و نصّ غنائي جارف يعكس نفسيّة وعقليّة بأكملها و موقفها من الوجود و بقية العالم في مساحة دقائق أربعة معدودات .
ها نندبهم في صوت رجالي وهن.
هانندبهم كما كانت و مازالت تولول جدّاتنا حين يضيق بهنّ الحال أو تجتاحهنّ نوائب الدّهر.
هانندبهم
انّه الشّباب الذي يلقي بنفسه لمهالك البحر أملا في مغادرة البوبال
هانندبهم بين ايقاع الريقي و خرجة سيدي عمّار
انها كمشة العقد المتوارثة عبر العصور منذ سقوط غرناطة الى هروب بن علي و بعد هروبه. انّها الحقيقة عارية
بدون تعليق..
انّه البوعزيزي يصبّ البنزين على رأسه ثانية و يهمّ باضرام النّار في جسده الفتيّ من جديد.

كوثر التّابعي


أغنية حوماني
للفنان محمد أمين الحمزاوي


المحبّــة صنعك يــا ربّـــي
و الكـــره زمــان صنعتّه الـنّاس
نســيانهم نعمة يا ربّي
بغض كذب حسد،
يڤتل الاحساس
أمان آه يوه ، أمان أه يـــيه
المحبّة شيخة للأُمّــالي
ڤعدة، عــقّار، كمية... إلّي يجي
ليل ولّا نهـــار
حومانــــــي هيه
*****
قاعدين نعيشو، كي الزّبلة في بوبالة ()
تي فقري نقري، ما نقوم بكري، ما نعرف منقالة
تي فقري نقري مامّة، ما نقوم بكري نقري مامّة
هوني خنقة، برشة غمّة
فات كلام، جيب كلام
في الظليمة ما ثمة سلام
لمتني كي ما ثمة ملام
الراس مدنكس، ديمة لقدّام
بطبعته الدّورو في جيبي ما خذاش الهفّ
بطبيعته صغري وكبري تعدّى شيخة، مخّي خرف
بطبيعته راسي يزنزن، كمّل عزّي وروّح لفّ
عنّــا كان ضربان صبّــاط
موش النّاس الكل قرات
هوني تاكل بايت،
هوني تاكل البشماط
واللي ماعجبو يتكلاط
هوني كلهـــا كيف كيف
نومبر وان (number one ) يا عفّــــاط
هوني مازال العـــرض ڤديم
يا متاع الله يا الكريم
هوني لام (lamme) الدّم بهيم
لا يبوسك خرّج بحّــيم
هوني نهــــار العـــيد مسرحية الزعيم
("ها نندبهم" بصوت المرزوقي)
حومانــــــي هيه
*****
في الزّنقة الشيطان تراه
أولاد الحـــومة راكشة معاه
ما توحلش، أخطاك، أخطاه
تي حتّى مالرّب عصاه
واللي تلكع م الشربة يولي ينفخ ع السلاطة
عيشة درغم نقّ سـقاطة
برد ينيك ذابت شكلاطة
يزي من دمعة سيـّالة
يزّي يزّي ملّا فاله
يزّي ما كلات الوكّالة
ڤدّاش من واحد فينا لعبوا له لعبت شنڤاله
ولّا بجنب الحيط نمّـــالة على كلمة ڤاله
تجس تڤرّب ما تحلّب
تي الرّجلة كاينة في الڤلب
ما عادش تاكل لوغة ضرب
بدني مخّي تخرّب
من ظالم نبيحه كلب
أدخل لحومنا تي ڤرّب
من ريحتك لعباد تتهرّب
كي تحــيّح خطوة تزرّب
لابدة كانت النّاس خايفين
خايفة كانت النّاس لابدين
لا تحب لا تمّن خانك الزمن
هوني ما فمّا لا فمّا لا فهمنا
لا عشنا طحنا ڤمنا
نلڤاو رواحنا في الدّبو
تحبّونا شكون نسبّو
تي شكون تحّبونا نسبو
("ها نندبهم" بصوت المرزوقي)
راك ماسط آه، راك لاسط آه
راك سلعة كلخه ما تشيّخش الرّاسط آه
راك ماسط آه، راك لاسط آه، راك سلعة كلخه ما تشيّخش الرّاسط آه
حومانــــــي هيه


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي