مساهمة الشاعر الكبير سوف عبيد في سهرة الوفاء لبكّار


الدرس الأخير

من طلبة توفيق بكّار النجباء ومن أوفيائه المعترفين بفضله الشاعر الكبير الأستاذ الصّديق سوف عبيد الذي قبل مشكورا المساهمة في عرضنا "تغريدة وفاء" المهدى إلى روح أستاذنا.


 سوف عبيد مع جلول عزونة وحسين العوري على الركح في "تغريدة وفاء"
بدأ سوف عبيد مداخلته على ركح فضاء الهواء الطلق بالمكتبة المعلوماتية بأريانة، والتي أحاول هنا تلخيص جزئها الأول، بتحية روح "هذا الأستاذ الذي شجع الأصوات الجديدة وساهم في تنشيط الحياة الثقافية"، متبسطا في الحديث عن الجهد الذي بذله توفيق بكّار للخروج بالنّقد من كواليس الجامعة إلى رحاب الساحة الثقافية الواسعة، في نشاطها اليومي، وإلى ساحة النّشر أيضا. 

وقال إنّ أستاذ الأجيال كان من أبرز متابعي الحياة الفكرية والأدبية في النّوادي التونسية إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق. ومن ذلك تنشيطه لتلك اللقاءات أدبيّة ذات التّوجه النّقديّ التي كانت تلتئم بالمركز الثقافي لمدينة تونس أيام كان مقره بشارع محمد الخامس.
وقد كان توفيق بكّار يفسح فيها المجال لأجيال الشباب من الأدباء والشّعراء من ناحية ومن اللنّقاد من ناحية ثانية، وما كان يبخل بملاحظاته وتوجيهاته على هؤلاء ولا على أولائك.
سوف عبيد يلقي شعره تحت إشراف توفيق بكار وإلى جانبه محمد صالح بن عمر 

في تلك الفترة كان المشرف على إدارة المركز، الأديب القصاص يوسف سلامة. وقد اخترنا لتحلية مداخلة صديقنا سوف هذه الصّورة التي تعود إلى سنة 1988 حين حظي شاعرنا بشرف الاحتفاء بشعره على هذا المنبر في قراءة من الناقد محمد صالح بن عمر. (وفي شهادة لسوف من خارج سهرة الوفاء، فإنّ تلك الجلسة ضمت من ضيوف أستاذ الأجيال كلاّ من الشاعر الصّديق يوسف رزوقة والأستاذ الباجي القمرتي.

أما الجزء الثاني من مداخلة شاعرنا سوف عبيد في سهرة الوفاء، فقد تمثل في هذا النصّ القصير البليغ الذي تحدّث عن ذلك اليوم من شهر نوفمبر 2012 الذي كنّا فيه معا في كلية الآداب 9 أفريل، والذي شهد الأوفياء من طلبة أستاذ الأجيال وزملائه ومريديه يتوافدون على "المدرج 1" ليتابعوا درسه الأخير في هذا المحراب العلمي الذّي صار يسمى منذ ذلك التاريخ "مدرج توفيق بكّار".
فإلى أوفياء مدونة ورشة الهكواتي نصّ صديقي الشاعر الكبير سوف عبيد الذي يقول :
"وهو في عقده التاسع رأيناه في أوج عنفوانه وبهاء ألقه يُلقي بيننا درسا بمناسبة تكريمه في كلية الآداب 9 أفريل بتونس
….بَلَى هو أستاذنا توفيق بكار أحد مؤسسي الجامعة التونسية وأحد أعمدتها الرّاسخة والشّامخة بفضل سعة علمه وعمق اِطلاعه وطرافة اِستنباطاته وتواصل عطائه تدريسا وتأطيرا وتأليفا ومساهمة متميزة في الأنشطة الثقافية على مدى نصف قرن بل يزيد بسنين عددا.
ذلك هو توفيق بكّار كما عرفتُه منذ أربعين سنة في وقار وهدوء ولطف أستمع إليه بشغف فإذا صوته ينساب بالعربية اِنسيابا والحروف تنثال في نبراته اِنثيالا وهو يشرح في إمتاع وإبداع باب الحمامة المطوّقة من كليلة ودمنة هذا التأليف العابر للحدود وللعصور وقد توقّف "سي توفيق" عند بعض العبارات الواردة في النّص مثل عبارة "إخوان الصّفاء" فرأى أن الإخوان غير الإخوة لأن الإخوة تربط بينهم القربى التي على أساسها النّسب بينما الإخوان تربط بينهم القرابة التي أساسها الانسجام والتعاون والتضامن.
أمّا كلمة الصّفاء فقد رجع أستاذنا بمعانيها إلى الاِشتقاق اليوناني فاِنتقل بنا من لغة إلى لغة ومن الجغرافيا إلى التّاريخ ومن خصائص الحيوان إلى طبائع الإنسان فراح يُفضي بنا من فنّ إلى فنّ ومن علم إلى علم حتّى وصل بنا إلى الاستنتاج المتمثل في أنّ الحيوانات المتنوعة التي تعاونت وتضامنت وتصافت من أجل خلاصها في نصّ الحمامة المطوقة يمكن أن تكون عبرة للنّاس أجمعين كي يتجاوزوا خلافاتهم واِختلافاتهم ليعيشوا في أمن ووئام وينتصروا على العدوّ المتربص بهم.
ذلك هو الدّرس الذي اِستنبطه أستاذنا توفيق بكار من شرحه الموجز لنص اِبن المقفع "الحمامة المطوَّقة"
هو درس بليغ وثمين كأنّي بأستاذ الأجيال أراده بهذه المناسبة، وفي هذا الظّرف بالذات، أن يكون وصيّة للتونسيين لعلهم يتجاوزون خلافاتهم مهما تعدّدت وتنوّعت من أجل تحقيق التّضامن والتّعاون والأمن.


 سوف عبيد يؤدي التحية مع جملة المشاركين في "تغريدة وفاء" في لحظة الإيذان بالإنشاد الجماعي
بل إنّه رأي واضح وبليغ للأستاذ توفيق بكّار في خضمّ الوضع العالمي الرّاهن القائم على الصّراعات الدّامية بحيث يرى أنه لا خلاص للإنسانية إلا في البحث عن المنافع المشتركة لدفع خطر الدّمار الشّامل الذي يهدد الكون فما على الإنسانية جمعاء أفرادا وجماعات وشعوبا وقبائل وأمما إلا أن تسلك سبُل الإخاء والتعاون للعيش في سلام وصفاء مَثَلُها مَثَل الحمامة وغيرها من الحيوانات في هذا الباب من الكتاب.
فتحية تقدير وإكبار ووفاء لأستاذنا الكبير توفيق بكار"


سوف عبيد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني