من أصول "الدّيوان الفريد" حوار شعريّ مع سوف عبيد


كانت فكرة اقتسام حوافز الإنشاء وإقامة الحوار بين الآثار الأدبيّة والفكريّة والفنيّة التي يأتيها المنشئون الآن وهنا، ماثلة بعد في ذهن الهكواتي منذ بداية الألفية الرّاهنة. فعليها انبنت تجربة "سنتي في الهيك" وصفحة "نافذتي المفتوحة" على موقع "الجسر الصغير".   
إلى تلك الفترة، تعود الفكرة التي تمّ تجسيدها في أكمل صورها مع تجربة "الدّيوان الفريد" التي جمعت بين العميد نور الدّين صمّود ومريده الهكواتي.
هذه القصيدة التي نعيد نشرها اليوم على مدونة ورشة الهكواتي تعود إلى عشر سنوات خلت، وتمثّل دليلا على تأصّل هذا الهاجس في مسار هذه الورشة وفكر صاحبها من يوم ميلادها مع مطلع الألفية.


ذات يوم سبت، في السّابع عشر من نوفمبر 2007، وصلتني من الصّديق سوف عبيد، على بريدي الإلكتروني، قصيدته الممهورة "الخمسون"، فما كان منّي إلاّ أن لازمت الصّمت وكأنْ لم يصلني منه شيء، وتواصل الصّمت أسبوعا كاملا، فاجأته بعده بإرسال هذه القصيدة المعارِضة، وقد حملت إهداء على النّحو التالي :
 "إلى صديقي سوف عبيد. مع جزيل الشكر على استفزازك إنشائي بقصيدتك "الخمسون". فها بفضلك قد أصبح الشّعر بيننا سجالا، يمليه ما تشابه من معاناتنا. و ما اختلاف عدد الأبيات في قصيدتينا إلاّ من تركيزك على العقود دون التفاصيل مقابل إصراري على البوح بسنّي كاملة يوم كتابة هذا القصيد. فمتى، في مثل ودّنا هذا، يا سوف، يتزاحم المتزاحمون ؟ أخوكم : سالم اللبّان"

من وحي الخمسين

1 - هَلْ لِهَذَا الرَّدِّ مِنْ مَعْــنَى ؟ وَهَلْ يُشْــفِي الجَـــوَابُ ؟
2 - أَمْ تُــرَى، يَا صَاحِبِي، قَــدْ هَانَ بِالنَّجْــوَى العَذَابُ ؟
***
3 - يَا لِخَمْسِــينَ مَضَــتْ كَالبَـرْقِ والبَحْـرُ عُــبَابُ
4 - رُبَّــمَا لَـمْ يَبْـقَ مِنْهَا غَيْـــرُ قَــوْلٍ يُسْتَــطَابُ
5 - أَوْ لَعَـلَّ القَـوْلَ أَيْضًـا سَـــوْفَ يَحْـوِيهِ التُّــرَابُ
6 - مِثْلــمَا يَحْـوِي رُفَاتِـي يَـوْمَ لاَ يُجْـدِي كِــتَابُ
7 - فَإِذَا المَبْــنَى انْهِيَـارٌ، وَإْذَا المَعْــــنَى انْسِـــكَابُ
8 - وَإِذَا الإِنْشَــاءُ، نَظْـمًا كَـانَ أَمْ نَثْــرًا، يَـــبَابُ
9 - وَإِذَا الفَنُّ، لِمَـــنْ آمَـنَ بِالفَـــــنِّ، عِــقَابُ
10- وَإِذَا الفِكْرُ شَـقُاءٌ زَائِـــــدٌ، مِنْــهُ المُــصَابُ
11- وَإِذَا الدُّنْـيَا، بِمَا فِيـهَا، خِــــدَاعٌ وَكِـــذَابُ.
***
12- فَلِمَ، يَا صَاحـبِي، تَغْــتَمُّ إِنْ خَـــانَ الصِّحَابُ ؟
13- وَلِمَ يُضْنِيكَ، فِي الحِــرْبَاءِ، لِلَّـــوْنِ انْقِــلاَبُ ؟
14- وَلِـمَ قَوْلُـكَ فِيـهِمْ حَيْثُ لاَ يُجْــدِي العِــتَابُ ؟
15- هِيَ ذِي دُنْيَاكَ، يَـا سُـــــوفُ، نِـعَاجٌ وَذِئَـابُ
16- وَسَعِـيدٌ مَـنْ لَـهُ فِــي مَوْضِـعِ الخَــفَّاقِ نَـابُ.
***
17- خَجَلِي مِنْ هَـــذِهِ الخَمْسِيــنَ، وَالأَبْنَاءُ شَابُــوا
18- هَلْ تُرَى قَــدْ عِشْـتُ شَاةً حَيْثُمَا يُرْجَى عُــقَابُ ؟
19- كُــلُّ مَا أَدْرِيــهِ أَنِّـي لَــمْ يُحَـرِّكْنِي غِـلاَبُ
20- كُلَّمَا شَــبَّ شِــجَارٌ كُنْـتُ أَدْعُو أَنْ تَحَابُّـــوا
21- لَمْ أَخُضْ فِي النَّاسِ حَــرْبًا يَـوْمَ أَنْ سُنَّــتْ حِرَابُ
22- فَــإِذَا الكُـــلُّ عَلَـيَّ، وَإِذَا شَأْنِـي يُـــعَابُ
23- وَإِذَا بِـي قَـدْ غُلِبْتُ ... هَكَــذَا الـدَّهْرُ العُجَـابُ
24- عِشْــتُ فِي الحُــبِّ فَخِبْتُ حَيْثُ فِي الحِقْدِ أَصَابُوا
25- كُـلُّ مَا لَيْــسَ لَهُمْ أَضْـــحَى لَهُمْ، جَلَّ المُصَابُ
26- وَأَنَا المَـطْعُونُ وَحْــدِي بَيْنَـهُمْ مُلْكِـي خَــرَابُ.
***
27- هَا أَنَا يَا سُوفُ فِي الخَمْسِيـن تَـــوْهٌ وَاغْتِــرَابُ
28- أَدَّعِـي فَهْــمًا وَأُفْقُ الكَــوْنِ فِي ذِهْنِــي ضَبَابُ
29- تَحْجِبُ الـرُّؤْيَةَ عَنِّــي رَاسِـــيَاتٌ وشِعَــابُ
30- مُثُلٌ دُنْيَاكَ يَا سُــوفُ ؟ أَمِ الدُّنْـيَا حِـسَــابُ ؟
31- هَــلْ نَجَحْنَا إِذْ نَجَحْنَا أَمْ طَغَـى فِينَا السَّـرَابُ ؟
32- فَنَـمَا فِيـنَا ادِّعَاءٌ، شَأْنَ مَنْ فِي الكَـوْنِ خَابُـوا ؟
***
33- يَا لِـدَرْسِ الجَبْرِ، أَقْصَانِي مِـنَ الفَهْـــمِ الغِيَابُ
34- هَـلْ تُـرَى فِي القِسْمِ كُنْتُ أَمْ دَنَا مِـنَّي السَّحَابُ
35- فُزْتُ فِـي رَعْـيِ النُّجُـومِ، مَا عَـنِ الحُلْمِ مَتَـابُ
36- وَلِنَحْوِي لَمْ يَكُـنْ فِي بُورْصَــةِ الصَّـرْفِ مَنَابُ
37- أَضْحَتِ الأَخْلاَقُ طَـلاًّ عِنْـدَهُ نَاحَ الغُـــرَابُ
38- بَيْنَمَا جَمْــعٌ وَطَرْحٌ وَاخْتِــلاَسٌ وَاكْتِــتَابُ
39- أَسَّسَتْ خُلْقًا بَدِيـلاً، فَنَـمَا فِي الأَرْضِ غـَـابُ
40- شِرْعَةً لِلـــنَّاسِ، مِنْهَا أَزَمَاتٌ وَاضْطِـــرَابُ
***
41- طُرُقَاتُ اليَوْمِ زِفْـتٌ، فَوْقَـهُ يَكْــبُو الـرِّكَابُ
42- فَإِذَا الخِصْيَانُ فِـي العَلْـيَاءِ وَالفُـرْسَانُ غَابُــوا
43- هَجَـرُوا المَيْـدَانَ يَأْسًا، أَوْ إِلَى السُّوقِ اسْتَجَابُـوا
44- إِذْ غَـدَا السَّبْقُ إِلَـى الدِّينَارِ مِنْهَاجٌ صَـــوَابُ
45- أَوْ إِلَى الجُـوعِ مَـآلٌ، سَـاءَ مَا يَحْوِي الوِطَابُ
***
46- لاَ تَلُمْ، فَالعَصْـرُ نَهْـبٌ أَوْ صِيَامٌ وَانْسِــحَابُ
47- أَوْ صُمُـودٌ فَانْكِــسَارٌ، آفَةُ الغُصْنِ الصِّلاَبُ
48- كُلُّ حَيِّ عَـوْرَةٌ، كَمْ تَسْتُـرُ النَّاسَ الثِّيَـابُ
49- أَيُّمَا نَهْجٍ سَلَكْنَا، مِنْـهُ خُسْــرٌ وَاكْتِسَابُ
50- وَكَـذَا مِنْهُ ضَمِيرٌ مُتْعَــبٌ أَوْ مُسْتَـرَابُ
51- وَالسَّعِيدُ الحَقُّ مَنْ فِـي زَحْمَةِ النَّاسِ يُهَـابُ
52- لِصُمُـودٍ صَـادِقٍ، أَوْ لِسَجَايَاهُ يُعَــابُ
53- فَدَعِ اللَّوْمَ يَعُدْ، مِن عِـزَّةِ النَّفْسِ، الشَّبَابُ.

الهكواتي، تونس، السّبت 24 نوفمبر 2007


وهذا نصّ القصيدة الأصلية للشّاعر سوف عبيد:
هَـلْ لِــمَا فـَــاتَ مَـآبُ؟ عَـبَـثَــــا يُـرْجَــى اَلسَّــرَابُ !
هَـذِهِ اَلْخَمْــسُونَ تُــطْـوَى مِـثـْــلَـمَا يُـــطْـوَى الكتـَــابُ
صَـفـَـحَـاتُ ...ذِكْرَيـَــــاتٌ قـَـــدْ تـَــوَالَــتْ وَ اِنْـسِيَـــابُ
قَـدْ حَسِـبْـــتُ اَلْعُمْـــرَ عَـــدَّا فَــاِنْتَــهَى صِــفْـرَا حِسَـــابُ
أَيْــنَ مِـــنْ سَــبْقٍ خُــيُـولِـي إِذْ تَـهَــــادَتْ وَاَلـــرِّكـَــابُ
عِـــنْـدَ أَعْـــرَاسِ اَلْـــبَــوَادِي وَ قَــدِ اِخْضَرّتْ هِضَــــــابُ
تـِــلْــكَ أُمِّــي تَـــتَــجَــلَّــى حـُــــوشُـنَا ذَاكَ رِحـَـابُ
جَــــدّتِي كَــانَتْ هـُــنَـاك وَ حـِـــــكَايـَـــاتٌ عِــــذَابُ
وَ أَبِــي عِنـْــدَ المُـــصَــلـَّى وَ دُعـَـــــاءٌ مـُــسْتَــجَابُ !
كَــمْ بِصْــــيْدٍ قَـــدْ ظَفِرْنَـا وَ يَـــمَـــامَـــاتُ كـِـعَـــابُ
خـُـــذْ سـِــلَاحِـي يَــا بُـنـيَّ ثـُـمّ يَــمْضِي ... وَاِغْـتِـــرَابُ
زَمَـــنٌ ذاكَ تَـــوَلـَّــــى إنـّــــمَا اَلْآتِـــــي ضَــبَــابُ
فـَـمَشَــيْتُ اَلْعُمـــرَ وَحْــــدِي فِــي الْمَــــــدَى حُلْمِي شِهَابُ
لَـــدْغَةُ اَلْأَفْـــعَى بِــلَـيْـــلٍ وَ بِــلَيْــلٍ كَـــــمْ كـِــلَابُ
قَــدْ أَحَاطَتْ بِاَلْـفَـتَـى.. يا مِــــزَقـََـا صَــارَتْ ثـِـيـَــــابُ
آهِ مِــنْ دَرْسٍ لِــجَــبْـــرٍ كَــيْـف يَـأْتِـيـنِـي اَلْـجَــــوَابُ
أَحْـــمَدُ اللَّـه نَـجَـحْـــتُ وَنــجَـا ذَاكَ اَلْـــمُـــصَــــابُ
إِنَّــــمَا خَـطِّــي رَدِيءٌ عَــــبَـــثًا كَـــانَ اِجْــتِــنَــابُ
كَـــــمْ أَكُـــفًّا قَـــدْ مَدَدْنا لِــلْعَـصَـــا، ذَاكَ اَلْــعِــقَـابُ
يـَا عَــصـَـا رُدِّي صِبَـــانـا أَيْــنَـــهُم رَاحُــــوا تِــرَابُ
يـَــا صَدِيــقِي لَا تَــلُمْـنِــي إِنَّــمَا اَلـــذِّكْــرَى اِكْـتِـئَـابُ
رُبَّ ذِئْــــبٍ قَـــدْ دَعَـــاهُ اِنْـتِـــزَاحٌ أَوْ خَــــــــرَابُ
صَـــارَ أُنْــسًا أَوْ رَفِــيقًا لَـيْــــسَ مِنْــــهُ اَلْمُــــسْتَرَابُ
لَا كَـمَنْ قـُـلْتُ صَـدِيقِي وَ هْــــوَ فِي اَلظَّـــــهْرِ حِــــرَابُ
سـَـلَّــهَا لِلــطَّــعْـنِ يَــوْمًـا وَ اِنْـزَوَى عَنِّي اَلصِّحَـــــابُ!
كَـــاَلنَّــعَامَـاتِ وَ دَسَّــتْ رَأْسَـــهَا أَخْــــفَــى اَلــتُّرَابُ
كـَــــمْ زَرَعْتُ اَلْوَرْدَ فِيهِـــمْ فَـإِذَا اَلشَّـــــوْكُ ثَـــــوَابُ
مِـــنْ لَــئِيـــمٍ أَوْ حَــسُـــودٍ ذَاكَ نَـــمَّـــامٌ وَ نَــابُ
أَوْ طَــوَاوِيـــسُ وَ شَالَـتْ ذَيـْــلَـهَا، مِــنْــهُ اَلْعُــجُــابُ
بِـــئْسَ أَقـْــلَامٌ تَــدَاعَــتْ فَـهْيَ زَيْــــفٌ أَوْ سِـبَـــابُ
فـَــاِنْــبِطَـاحٌ وَ اِرْتِــمَاءٌ وَ اَلْــــتِــوَاء و انــقـــلاب
هَــــمُّــهَا لَحْسُ اَلصُّحُـونِ قـَـــــدْ سَــرَى مِنْهَا اَلْلُّـعَابُ
تَـمْـسَحُ اَلْأَعْتَـــابَ لَحْسًـا! تـَــــنْحَنِــي، هـَـانَتْ رِقـَابُ
قـَــلَبَتْ لَـــوْنَ اَلْـقَـمِيــصِ فَـبِفِـلْــسٍ تـُـسْــتَـطَـابُ
عُـــمْلَـةُ اَلـزَّيْـفِ وَ عَمَّـتْ فَـــعَـــلَا اَلْـحـَـقَّ اَلْحُبَــابُ
بـِــيعَـــتِ اَلْأَوْطَـــــانُ…بَخْسًا وَيْحَنَا...! حَتـّــى اَلْإِهَـابُ
كَمْ شُــعُـوبٍ قَـــدْ أُبِــيـدَتْ رُبَّــمَا نَــــحْنُ نُــصَـابُ !
لَا ... هُـــمُ اَلْأَحْرَارُ هَـبُّـوا وَ بِـــهِـــمْ سَــــالَتْ شِعَـابُ
مِـــــنْ شَـــمَالٍ وَ جَـنُوبٍ مَـــدَدٌ ذَاكَ رِحَــــــــابُ
قَـدْ تَــصَـــدُّوا لِــلْعُـدَاةِ وَ بِــعَـــزْمٍ قَــــدْ أَجَـابُـوا
صَــوْتُــهُمْ صَــــوْتٌ يُدَوِّي فَـــإِذَا شَــــــدُّوا أَصَابُـوا
مِـــنْ قَــدِيمٍ يَـا بِــلَادِي حـُــبُّــنَا فِـــيــــكِ اَلْمُـذَابُ
وَ كَـــزَيْــتُــونٍ وَ نَـــخْــلٍ أَخْـــضَرٌ دَوْمًــا عُــبَـابُ
مَا اِنْـــحَــنَــى يَـوْمًا لـِريحٍ إِنْ رُعُـــودٌ أَوْ سَـــــحَـابُ
شَــامِخٌ اَلــــرَّأْسِ أَبِــــيٌّ، لَا بِـكِبْــرٍ ، بـَـــلْ مُـهَـابُ
ثَــابِـــتُ اَلْأَصْـــلِ وَفِـيٌّ مُــــزْهِرُ اَلْقَـــلْبِ شَـبَــابُ
لَا جِــــرَاحٌ أَوْ رِمَـــــاحٌ طَاعِـنـَــاتٌ أَوْ صِعَـــــابُ
مَــا نَـــفَتْ عَنْهُ اَلْعَطَاءَ وَ لَئِـــــنْ سَــادَ اَلْـيَــبَـــابُ
فـَهْـــوَ لِلْأَحْبَابَ رِفْـــدٌ لَـيْـسَ يُــبْــقِـيـهِ اِحْــتِـسَابُ
إِنَّـــمَا اَلْــــحُبُّ سَجَايـَــا لَا عَـــطَايَا وَ اِكْتِسَـــــابُ!


سوف عبيد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني