تشكّرات الهكواتي

سنتي على جناح السّرد – رؤى وأخبار 2 – 6 أكتوبر 2008


تشكّرات الهكواتي
حين أقدمت على هذه التّجربة لتشكّل منعرجا في "سنتي على جناح السّرد"، كنت بحاجة إلى التقاط نفس عميق بحجم تربة وطني من صحرائها جنوبا إلى ساحلها المتوسّطيّ شمالا. كانت الحرارة شديدة في منتصف شهر أوت، ومع ذلك دعاني الدّاعي إلى البحث في الصّحراء عن توهّج لجذوري السّاحلية، بأن أستنشق ما يستنشقه أهلي هناك.
كنت عطشانا إلى حرارة اللقاء تنزل بردا وسلاما يطفئ لهيب الصيف. فكرعت من نبع ودّ الأصدقاء والأحباب جرعة بها استعنت وما أزال أستعين على هذا الشّوط الأوّل من أشواط رحلتي السّرديّة الجديدة. وهو الشوط الأهمّ لأنّه شوط يتشكّل فيه المشروع أوّليّا فيكشف لي عن ملامحه. شرط أن أننفض عنّي الوهم بالغوص في الواقع وأن أتخفّف من بعض جهلي بالاستماع إلى أهل العلم في ما لا أعلمه من شؤون.
ولهذا فإنّي مدين لكلّ هؤلاء الأحبّة بالشّكر والامتنان، على كلّ ما أضافته زيارتي جنوب البلاد إلى مشروع "بوصلة سيدي النّا..."، وإلى رصيدي المعرفي عموما. ولعلّي مدين لهم بالخصوص، بكلّ ما سأتجنّبه من أخطاء بفضل لقائي بهم قبل البتّ في شأن الأحداث والشخوص التي يقوم عليها مشروعي.

*****


أبدأ بشكر خاصّ جدّا لصديقي وأخي الفنّان والمثقّف صالح الصّويعي المرزوقي الذي لقيته بعد فراق دام عشرين سنة فوجدته كعهدي به يوم ودّعته في العاصمة وهو يختار الاستقرار في مسقط رأسه دوز. صالح تبنّى مشروعي دون أن يعرف عن تفاصيله شيئا وفتح لي أبواب الصحراء على مصراعيها متفرّغا لمصاحبتي متفانيا في تقديم المعونة والمعلومة والنّصح. سأوافيكم قريبا بصفحة خاصّة عن هذا الفنّان عساني أردّ شيئا من جميله.

*****

بعده أجزل الشّكر، بالترتيب الزمني للقائنا بهم، إلى كلّ من :


الحاجّة نجمة نيابة عن النّساء الفاضلات اللائي استحين من الوقوف أمام عدسة المصوّرة، ولكنّهنّ استقبلننا بكلّ أخويّة في أحوشهنّ في منطقة سيدي التّواتي (مطماطة) وفتحن لنا الغرف لنشاهد عن كثب ونستمع منهنّ إلى تفاصيل عادات حياتهنّ اليومية بهذه الفضاءات المبنيّة على القناعة والكرم.

*****


والسيد الهادي بلعيد بلحاج ابراهيم. وهو أحد العارفين بشؤون الصحراء، المتمرّسين بالتّرحال في الفيافي على ظهور الجمال. فقد استقبلنا في دكّانه استقبالا حارّا وأجاب على أسئلتنا في حصّتين أولاهما في عزّ القيلولة والثّانية على الصّباح الباكر كما فتح لنا وثائقه الورقية والرقمية وأعارنا بعض الصّور المفيدة التي قد ننشر منها البعض في قادم الأيّام.

*****


والحاج عمر بلعيد بلحاج ابراهيم الذي حدّثنا بدوره عن الصّحراء وخلق الصّحراء وتربية الإبل، سفن الصّحراء. فكان لنا كالكتاب المفتوح يعلّم على الطّريقة الشفاهية التي تعلّم بها.

هكذا الحاج عمر، له مكانة كبير القوم ومعلّمهم، وله طقوسه في الحديث فلا يحدّث إلاّ إذا ضمن حسن السّماع من الجميع، ولا ينهي مجلسا دون دعاء إلى الله بأن ينفع السامعين بما قيل فيه. لقد فاجأتني فاتحة الكتاب التي تلت إجابته عن أسئلتنا. ولن أنسى أبدا مدى خشوعه في أدائها ومدى تأثّري ومن كان معي بها، لما ترجمت عنه من صدق محبّة وإخاء.



هل كان الحاج عمر الذي دعا الله بإلحاح أن يحمى راحلتنا من كلّ مخاطر الطريق، هل كان يتنبّأ، وهو يتلو الفاتحة، بأنّ سيّارتنا ستغرق في كثيب من جرّاء الرّيح الرّمليّ الذي عقب تصويرنا غروب الشّمس على كثبان قرية الصّابريّة بضواحي دوز؟


لا شكّ أنّ الله استجاب لدعاء الحاج عمر، فقد جاءنا العون من دوّار على بعد حوالي كيلومتر من مكان غرق السّيارة. فشكرا كذلك إلى السّيدين العيد (الأول من اليمين) وامحمّد (الثالث من اليمين) على مساعدتهما لنا بجهودهما وخبرتهما، حتّى عدنا لقضاء الليلة في غرفتنا بالفندق في مدينة دوز.


*****


شكرا كذلك للسيد توفيق بوقنّة الذي فتح لنا مخزن تكييف التّمور والغلال الذي اقامه في مدخل دوز، وحدّثنا عن تجارة التّمور وشرح لنا كيفية التعامل بين الفلاح المنتج والمخزّن والموزع والمصدّر.

*****


شكرا أيضا للسيّد لطفي بكّار الذي ساعدنا دون أن نلتقيه، فسمح بأن تفتح لنا ضيعته النّموذجيّة في غيابه. وشكرا لعمّال الضيعة الذين استقبلونا وأجابوا عن أسئلتنا حول تربية الماشية وإنتاج التّمور.

*****


الشّكر الخاصّ الثّاني أوجّهه للحاج عبد العزيز بوعبيدي الذي أكرم وفادتنا، ولابنه الصّديق الفنّان المسرحي رضا بوعبيدي (الغائب للأسف عن الصّورة لتواجده بالعاصمة في تلك الفترة) والذي فتح لنا ضيعته بواحة دقاش، فعايشنا بها عن كثب مختلف الأشغال الفلاحيّة، ووضع على ذمّتنا مسكنه بالضّيعة للإقامة فيه.


وشكرا كذلك لعملة الضّيعة الذين استقبلونا بحفاوة وشرحوا لنا أعمالهم بكلّ صبر.



مع شكر خاصّ لسي مخلوف الذي يعمل بالضيعة ليلا نهارا والذي صاحبنا على مدى إقامتنا وحدّثنا طويلا عن مهنته وعادات العمل الفلاحي بالواحات عموما وكيفية التعاقد بين مالك الأرض والعمّال القارّين مثله. كما سهر على راحتنا بالضيعة وقاسمنا الماء والملح وفضاء النّوم.

*****


شكرا كذلك للشّيخ المقدّم الشّافعي شيخ "الطّريقة السّنّية" بحامّة الجريد، الفاتح مقرّ إقامته للمريدين من كلّ صوب. والذي استقبلنا وتحمّل من أسئلتنا ما كان أحيانا على نصيب وافر من المشاكسة والإحراج، خاصّة فيما يتعلّق بممارسة الكهانة والتعاويذ. فأجابنا بكل ما يقتضيه الموقف من وضوح.

*****


شكرا جزيلا للشيخ المقاوم محمّد عبد الحفيظ الذي كان من بين آخر من وضعوا السلاح بعد المعركة من أجل الاستقلال الوطني. فلقد فاجأني بحبّه الكبير واشتياقه للعودة إلى مدينة المنستير مسقط رأسي. فشعرت بجسر يربط الرّبط بكثبان حزوة ما أكّد لي عمق جذوري الممتدّة حتّى هنا. استقبلنا الشيخ محمّد في ضيعته وأتاح لنا زيارة ضيعة أخيه وكلاهما تقعان في حزوة. والشيخ محمد عبد الحفيظ من أوائل من استقرّوا في هذه المنطقة لتكوين نواة مدينة حدوديّة ووضعوا حدّا لحياة البداوة والتّرحال في الصّحراء. لقد كان الحديث معه شيّقا تناول مساهمته في حركة المقاومة الوطنيّة وكذلك تاريخ المدينة كما تناول، عند حضور ابني أخيه (الغائبين هنا عن الصّورة والذين نوجه الشكرلهما كذلك) بعض تقنيات الفلاحة البيولوجية في ضيعة نموذجيّة. كذلك الشكر إلى السّيد علي بالسّعيدي الذي عرّفنا على الشيخ محمّد.

*****


شكرا كذلك لأنيس قائد الجمال بكثبان حزوة. لقد كان صبورا معنا وهو يحدّثنا، تحت شمس رصاصية الأشعّة ورغما عنه تقريبا، عن طبيعة شغله الهش على هامش "السّياحة الصحراوية". وإنّي لأكاد أعتذر له نيابة عن غيري، عن عسر الظّرف الذي جمعني به.

*****


شكرا لشباب وأطفال الشبيكة وتمغزة، الذين تحدّثوا معنا بعزّة نفس ورحابة صدر بعد إبعادنا آلة التسجيل وعدسة المصوّرة.

*****


وشكرا للأستاذ الصّديق عمران عبد الجليل الذي استقبلنا بتوزر استقبال الأصدقاء، لفترة استراحة وشرب قهوة، فاغتنمنا الفرصة للاستفادة من اللقاء به، بمعلومات عن بعض أنشطة الترفيه التي يتعاطاها الشباب في واحات الجهة. ولأنّنا لم نكتف بإزعاجه بأسئلتنا أثناء اللقاء، فلقد طاردناه باستفساراتنا الهاتفية حتّى بعد عودتنا من رحلة الجنوب. فردّ عليها دائما بنفس الودّ.

*****


قبل الختام، لست أدري إن كان عليّ أن أشكر أخي (البيولوجي هذه المرّة) وصديقي منذ خلقنا رغم علاقة الأخوّة، وشريكي في هذه الرّحلة "المغامرة"، الفنّان المسرحي فتحي اللبّان، أم أنه عليّ أن أشكر كلّ من ذكرتهم أعلاه باسمه... على كلّ، سأكتفي هنا بإمضاء صفحة الشكر هذه باسمه وباسمي. فإذا كان النّصّ لي وكان وجهي في أغلب الصّور، فلا حاجة لاستدعاء عرّاف حتّى نعرف من يقف وراء العدسة. كما أنّ صورته على باب السيّارة من جهة المقود تؤكّد أنّه اقتسم معي أعباء السّياقة حتّى لا نعود من رحلتنا أكثر إرهاقا ممّا كنّا عليه.

وختاما، لا بدّ من التّوضيح بأنّ لقائي بكلّ هؤلاء الأسماء وعبوري من كلّ هذه الأماكن واستفساري بشأن كلّ مجالات النّشاط المذكورة أعلاه قد أثراني فعلا. فلقد ألهمت بالتأكيد أفكارا عن أماكن وشخوص و أحداث لا بدّ من ابتكارها في خيالي. أمّا الأشخاص الحقيقيون وحكاياتهم الحقيقيّة وأماكن عيشهم الحقيقية فلا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بأحداث وأماكن وشخوص "بوصلة سيدي النّا...". ولعلّ هذا التّنبيه صالح، في سياق آخر، ليقيني من الوقوع في فخّ الأسلوب الصّحفي والمنحى السياحي الوثائقي.

مع اعتذاري على تأخّر صدور هذه الصّفحة بسبب ضغط الوقت المسخّر لتخطيط وتحرير نافذتَيْ "بوصلة سيدي النّا... وحلقتها الأولى.

ومع أخلص مشاعر الأخوين
فتحي و سالم اللبّان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني