نماذج من سرد الرّشيد إدريس

سنتي على جناح السّرد – رؤى وأخبار 0 – 24 جويلية 2008

نماذج من سرد الرّشيد إدريس

تمهيدا لنشر الحلقة الثالثة من نصّ "عم إدريس في واب شخصون"صباح غد. ولأنّ هذه الحلقة تشير إلى فقرات من سرد الرّشيد إدريس قرأتها "أمّي سيسي" أثناء المحاكمة"، فإنّني أفتتح اليوم سلسلة "رؤى وأخبار" بنشر هذا العدد الصّفر المتضمّن ثلاثة شواهد من ثلاثة كتب سرديّة للرّشيد إدريس، تساعد على مزيد فهم دفاع هذه "المحامية" عن سرد هذا الكاتب. فقراءة ممتعة.
الهكواتي - تونس


نماذج من نصوص الرّشيد إدريس اخترتها باعتماد فتح الكتب بالصّدفة من كتبه الثلاثة التي اعتمدتها في صياغتي نصّ "عم إدريس في واب شخصون"


أ/ نموذج من الكتاب الأوّل "أرق على ورق" الصفحة 68 :

"قصدا المدارج المؤدّية إلى الشّاطئ وما كادا يقتربان من المدرج الأوّل حتى خرجت عليهما كلبة متدلّية الأثداء. وأخذت تنبح نباحا عاليا ومخيفا. همّا بطردها وهي تحاول التّقدّم إليهما للعضّ إذا وجدت إلى ذلك سبيلا. ثم تداركا الأمر فوقفا في مكانهما وأخذا يلاطفانها ويتودّدان إليها. وتقدما خطوات هادئة خفّفت من نباحها. لكنها أخذت تتبعُهما. ثمّ أسرعا في المشي. فرفعت صوتها. فخفّفا الخطى. وتوصّلا بعد فترة من التقايس إلى تهدئة روعها ووقفِ تهجمها. وانطلقا ينزلان المدارج بين الأعشاب وأغصان الشّجر المتدلّية، وهما في حذر اتّقاء كلب متوحّش أو ثعبان غدّار. وأخيرا بلغا الشّاطئ. ولم يكن البحر هادئا كلّ الهدوء. ولكن أمواجه تتعاقب عليها رغوة يدفعها ريح خفيف كان له حميد الأثر على الطّقس الذي امتاز بشدّة الحرارة طوال النّهار. وقد غادر الشاطئ روّاده المتزاحمون فيه. ولم يبق به إلا بعض المتأخّرين أو الجيران ممن يختارون النزول إلى الشاطئ في الصباح الباكر أو تلك الساعة المتأخّرة من النّهار."


ب/ نموذج من الكتاب الثّاني "السالي هرب"، الصفحة 52 :


"ويقضي ليلة في الفندق. يزعجه فيها نهيق حمير وصراخ سكارى يمرون في غسق الليل بالشارع المجاور. وحلم مزعج يرى فيه ساقيه تجريان ورأسَه منفصلاً عن جسمه وجنودا ببنادقهم يركضون وراءه وحفرة عميقة يكاد يقع فيها. فيستيقظ وهو يرتجف هلعا، وهو يردّد لا...لا...لا... ويحي السّلطان... ترى من كان هذا السّلطان؟ إن وطنه المغرب يعيش في عهد الحسن الأوّل (1873/1894) وهو يذكر أيام كان شابّا لم يبلغ بعد الرّشد، أنه شاهد ذلك السلطانَ وهو على جواده الأبيض محفوفا بحاشيته وجنوده في جلابيته وبرنسه وعمامته البيضاء. وكان الأطفال والكهول والشيوخ يهتفون بحياته. ويتحدّث عنه المتحدّثون بذكر خصاله النبيلة. يذكره السالي ويتحسّر. لماذا لم يبق في بلاده ينعم بما كان يمكن أن يوفره له السلطان من عمل في الجيش المغربي الذي أعاد تنظيمه. ولماذا تشاجر مع إخوته وخاله وغادر منزله وتطوع في جيش أجنبي ثم اضطر للهروب منه. إنه القدر أو المكتوب المسجل في اللوح المحفوظ ولا رادّ لقدر الله ولا ناسخ لما في اللوح المحفوظ."


ج/ نموذج من الكتاب الثالث "عم سعيد في باب سويقة" الصفحة 15 :

"اهتز المؤدّب فوق مقعده ورفع صوته قائلا : يا حمار// ضحك الأطفال ضحكة جماعية شاملة وصاح سعيد دون حياء وأنت يا جمل.// تضاعف الضحك. لكن المؤدّب لم يعجبه أن يضحك الأطفال وأن يردّ عليه سعيد. وكان الحمار والجمل حيوانين محبوبين. ولكن، هكذا جرت العادة أن يُستعمل الحمار للشتم وكذلك الجمل. وإن كان الجمل بحدبته وصبره أقربَ من الحمار للعطف. تملّكت المؤدّبَ نوبةٌ من الغضب. فدعا الطّفل وأمره بمدّ يديه. فضربه عليهما ضربا مبرّحا، قائلا له "هذا لا يكفي لتربيتك. إني سأخرج الفلقة وأريك النجوم في القائلة.// أظلمت عيناه بالدّموع لتضاعف بكائه. ولم تؤثّر حالة الطفل على المؤدّب الذي واصل ضغطه عليه. وطلب منه أن يعيد تلاوة سورة "الكافرون". فأعادها. تلعثم لسانُه كأوّل مرّة. وعندها أخرج المؤدّب الفلقة ولم يضحك التلامذة في هذه المرة، باعتبار القاعدة "من ضرب زيدا قد يضرب عمرا".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني