نصّ حدث

سنتي على جناح السّرد / بيان الهكواتي (3)/ 10 جويلية 2008


نصّ حدث

بعد قراءة بيان "سنتي على جناح السّرد" في نادي القصّة "أبو القاسم الشابّي" بتونس يوم 26 جانفي 2008 ثمّ بالمنستير يوم 29 جانفي، وبعد نشر ملحق لنفس البيان في 2 فيفري أي قبل انطلاق نشر النّصوص السردية، ها أنّ حدثا استثنائيّا يدفعني إلى نشر ملحق جديد ولمّا أصل بعد إلى منتصف الطريق.
يحوي هذا الملحق تعديلا طفيفا واستثنائيّا لقانون اللعبة التي فرضتها على نفسي. ولكنّ أساسه تثمين لهذا الحدث الاستثنائيّ الذي يجيز لي، كما سيأتي بيانه، أن أخرج عمّا يقتضيه العرف من تـحفّظ المنشئين، وأنهض بواجب الشّخص الزّائل الذي يمشي اليوم بينكم في الشّوارع، نـحو نصوص اقترفها، فغدا لها عليه حقّ شرح أهمّيّتها ولفت الانتباه إليها بكلّ الوسائل. فمن يدري، لعلّ التّاريخ يكتب لها البقاء. ولعلّ الأجيال تمشي غدا على هديها، من بعده.
ذلك، على كلّ حال، قدر المنشئين الصّادقين الحالمين بعنقود الدّوعاجي*.


في حساب الأسابيع وترقيم النّصوص


يصدر مباشرة بعد هذا الملحق، نصّ بعنوان "عم إدريس في واب شخصون – محاولة في السّرد النّقدي". وسيصدر، خلافا للنّصوص السّابقة، على حلقات ثلاث. هذا التّقسيم فرضه عليّ طول النّصّ وطبيعة الجهد الذي اقتضاه، وخاصّة ذلك الذي ما زال يقتضيه منّي، لمراجعته وإتمام ترجمته وكذلك للنّهوض بكامل واجباتي تجاهه. ولهذا فلقد تعيّن عليّ توضيح ما يلي:
أولا: أنّ المغامرة بالاشتغال على نصّ واحد لمدّة تفوق الأسبوع تمثّل جهدا إضافيّا وليس تقصيرا أو إخلالا بالتّعهّد. فالهدف من "سنتي على جناح السّرد" ليس إثبات طاقة خارقة على العمل، ولا هو مجرّد تسجيل صدور كما اتّفق، أو تحايل لتقسيط الجهد حسب الوقت المخصّص للعمل عوض بذله وفق ما يحتاجه النّصّ كمشروع، له أحيانا أن "يُتْعِبَ فِي مُرَادِهِ الأَجْسَامَ".
ثانيا: أن صدور النّص الواحد على حلقات متعدّدة أو الاشتغال عليه على مدى أكثر من أسبوع واحد، لا يشرّع بالمرّة اعتباره نصوصا متعدّدة. لذلك فلن تحمل إصدارات هذا النّصّ الاستثنائيّ الثلاثة، أرقاما متتالية (23/24/25)، ولكن أرقام أجزاء متتالية (23أ/23ب/ 23ج).
ثالثا: أنّ إقرار هذا الترقيم، من شأنه أن يربك الحساب الجمليّ. فهل يجوز لي توقيف سنتي هذه في 9 فيفري كما أعلنت عن ذلك في البداية ؟ لو فعلت لكان هذا ميلا منّي إلى الكسل وإخلالا بتعهّد. فلقد تعهّدت أيضا بنشر 53 نصّا سرديّا في غضون السّنة. ولن أسمح لنفسي بإصدار أقلّ منها، ضمن هذا التّحدّي، ما لم يعقني ما يقعد أو ينهي الحياة.
رابعا: أنّ الأيّام القادمة قد تحمل بدورها أحداثا استثنائيّة من هذا القبيل. ولذلك فإنّني أعلن أنّ "سنتي على جناح السّرد" ليست سنة إداريّة. وما دمت قد سمحت لنفسي بأن أبدأها يوم الثامن من فيفري 2008، ما يجعلها تنتهي في غضون السنة الإدارية الموالية، فإنّ استغراقها أكثر من 53 أسبوعا لم يعد أمرا غريبا ولا عصيّا. لذلك فإنّني أعلن عن تواصل سنتي هذه على مدى 55 أسبوعا، لتنتهي مبدئيّا في الثالث والعشرين من فيفري 2009. وإذا اقتضى نصّ آخر أن ينشر على حلقات، فإنّ إمكانية التّمديد في عدد أسابيعها تبقى جائزة، شريطة أن يكون لهذا النّصّ صبغة استثنائية.

في الصّبغة الاستثنائيّة للنّص الثالث والعشرين


قامت "سنتي على جناح السرد" على التزامات أربعة. أوّلها انتظام النّشر على الإنترنت، بمعدل نصّ في الأسبوع وثانيها ترجمة نصوصي إلى الفرنسية ونشرها في نفس الوقت باللغتين، وثالثها نشر صور فوتوغرافيّة مبتكرة مع كلّ نصّ، ألتقطها في نفس الأسبوع وتقترب قدر الإمكان من فحواه، ورابعها انتظام مساهمتي في نشاط نادي القصّة "أبو القاسم الشّابّي" وقراءة نصوصي في جلساته العادية متى استطعت إلى ذلك سبيلا، حتّى لا تبقى تجربتي تدور في فضاء الافتراض وحده، بمعزل عن واقع السّاحة الأدبية التونسية.
ولو سئلت عن أكثر هذه الالتزامات الأربعة إثراء لتجربتي، إلى حدّ الآن، لقلت دون تردّد إنه الالتزام الرّابع، ليس فقط لأنّ المناقشات التي عقبت قراءة ما أتيح لي قراءته من نصوصي بنادي القصّة، كان فيها من روح الجماعة ومحبّتهم للأدب وصانعيه، ومن تشبّثهم بأفكارهم وحرصهم على الإفادة بها إلى حدّ المغالاة في بعض الأحيان، ما لا يمكنني إلاّ أن أستفيد منه من حيث قصدوا، بل وخاصّة من حيث لم يقصدوا، ولكن لأنّ المداومة على حضور نشاط النّادي فرضت عليّ قراءة مكثّفة لنصوص من السّرد التّونسي، ما كنت لأقرأ بعضها لو لم تكن مبرمجة ضمن هذا النّشاط. وإذا لم يكن للنّادي من فضل عليّ سوى هذا، فأنا، و"سنتي على جناح السّرد" وما قد يولد منها مستقبلا من مبادرات مماثلة، سنبقى ندين لهذه المؤسّسة الثقافية العريقة بكامل الفضل إلى نهاية صراعي من أجل الفنّ والأدب والأفكار والحياة عموما.
ولكن، لو سئلت عن أهمّ الأدباء التونسيين الذين وضعتهم برامج النّادي في طريقي من جديد، فوجدتني أقرأ أو أعيد قراءة نصوصهم بنهم خاصّ، نظرا لما وجدت فيها من فائدة لمسيرتي الذّاتيّة وتوافق مع منهجي في العمل، لقلت إنّه بلا منازع الرّشيد إدريس، وقبله زمنيّا محمود بلعيد. ولئن كنت لا أعرف متى سيفضي نهمي في قراءة نصوص هذا الأخير إلى حوار إنشائيّ معها يليق بوقعها في نفسي، فإنّني أحمد الظروف التي أوكلت لي تكريم الأديب الرّشيد إدريس في فضاء نادي القصّة، فساهمت في ولادة هذا النّصّ الاستثنائيّ ضمن "سنتي على جناح السّرد".
ولعلّي عاجز عن التعبير عن كلّ امتناني لهذه المؤسّسة الثّقافيّة العريقة التي أتاحت لي، إذ كلّفتني بإعداد المداخلة المحوريّة في هذا اللقاء الاستثنائي، أن أصوغ هذا النّصّ بكلّ ما يعتمل في نفسي من هاجس التجريب والتّجديد. فتوصّلت بعون الله إلى صنع ما أعتبره، دون تواضع زائف ولا أدنى تفخيم، حدثا نصّيّا استثنائيّا في شكل بكر ما وطأه قبلي قلم ولا مزرّة.
وقد اخترت لهذا النّصّ من العناوين : "عمّ إدريس في واب شخصون – محاولة في السّرد النّقدي". وكنت أتمنّى أن ينتهي دوري عند وضع العنوان، وأن ألتزم التّحفّظ، فيتولّى غيري قول ما أقول وإثبات ما أزعم. ولكنّ تجارب سابقة علّمتني أن أغالب خجلي. ولذلك فأنا أراهن على التّاريخ ليبيّن، إن كانت شيمته إنصاف المنشئين الصّادقين، أن "عمّ إدريس في واب شخصون"، بقطع النّظر عن النّصوص التي اعتمدتُها لإنشائه، وعن اسم الأديب الذي احتفيت به فيه (ويشرّفني أنّه كان الرّشيد إدريس)، نصٌّ مصنَّفٌ على غير مثال سابق، وأنّه قد يكون مؤسّسا لجنس أدبيّ ينخرط في نفس الوقت في مجالات النّقد الأدبي وبناء القصّة المستقلّة والاقتباس التّوليفي من نصوص متعدّدة موجودة سلفا. وهذا يفتح أمام العلاقة بين النّصّ والقارئ آفاق تعدّديّة الاختصاص، ما تزال إلى اليوم بكرا.
قد يجوز أن نطلق على هذا الجنس، كما يقترحه العنوان التحتي، اسم "السّرد النّقدي". وهو يمثّل، على ما قد يكون له من قرابة مع نصوص أخرى لعلّ بعضها أقدم من رسالة الغفران للمعرّي (فلا شيء يولد من لا شيء)، شكلا جديدا بكرا، إن لم يكن في الأدب عموما (فلا أدّعي إحاطة بكلّ الأدب)، ففي الأدب العربيّ على الأقلّ. وإن لم يكن في الأدب العربيّ كلّه (فلا أدّعي إحاطة بكلّ الأدب العربي أيضا)، ففي الأدب التّونسي على الأقلّ. وعلى فرض أن يظهر في تونس أيضا نصّ أقدم من نصّي، فاتني الإطّلاع عليه (فكمال المعرفة لله وحده)، فنصّي هذا جديد بكر في مسيرتي الإنشائيّة عموما وفي مغامرة "سنتي على جناح السّرد" على وجه الخصوص. ولهذا وحده من الأهمّيّة ما يفرض عليّ المغامرة بالخروج عن تحفّظي للنّهوض بواجبي التاريخي نـحوه.

في التوضيح والجدل

لأنّني بشر يمكن أن يخطئ كما يمكن أن يصيب، ولأنّني مقتنع، كما أسلفت، بأنّ هذا النّصّ جديد بكر مؤسّس، ولأنّ كلّ جديد قد يفرز بعض سوء الفهم أو سوء التّفاهم أو حتّى بعض الانزعاج من هذا الطّرف أو ذاك، لهذا السّبب أو ذاك ممّا يخفى عليّ،
ولأنّ مثل هذا الشكل من ردّ الفعل على الجديد طبيعيّ في البشر المسكون بالصّدّ في وجه كلّ تغيير، بل لأنّه قد ظهر بعد بعض الانزعاج وسوء الفهم في فضاء نادي القصّة وكذلك على صفحات الجرائد ومن خلال صمت معبّر على أمواج الأثير،
ولأنّني لا أريد أن أغمط حقّ المنزعجين، وغير المنزعجين أيضا، في الإعلان عن مواقفهم، من هذا النّصّ وحتّى من غيره من نصوصي، ضمن فضاء ورشة الهكواتي،
فلقد قرّرت :
أوّلا: أن أتيح للجميع، على خطّ النّشر الرّئيسي لورشة الهكواتي، أي خارج إطار فضاء التّفاعل الآلي المحدود، إمكانيّة ردّ الفعل سلبا أو إيجابا على هذا النّصّ، بل وعلى كامل تجربة "سنتي على جناح السّرد".
ثانيا: تخصيص ركن جديد لردود الفعل هذه لا يتقيّد بموعد نشر دوريّ معيّن. ما يمكّن من نشر النّصوص حال وصولها. وسيكون عنوان هذا الرّكن "رؤى وأخبار".
ثالثا: ترسل النّصوص عن طريق البريد الالكتروني. ويمكن، بل يحبّذ أن يرسل صاحب النّصّ صورته مع مقاله. وأنا أتعهّد بنشر كلّ نصّ يرد عليّ وبالتّرويج له بنفس الطريقة التي أروّج بها لكلّ إصدار من إصدارات الورشة، وبأن أرسل لصاحب النّصّ رابطا يخوّل له زيادة التّرويج لنصّه على طريقته.
رابعا: يشترط في النّصوص، فقط، أن لا يكون فيها ما يمسّ بأيّ شخص غيري، أو ما يدخل تحت طائلة القانون.
خامسا: سأمنح نفسي حقّ المساهمة في هذا الرّكن بتضمينه ردودي وتزويده بأخبار لا تخرج عن نطاق نشاطي ضمن "سنتي على جناح السّرد". ويمكن لكلّ من يريد الرّدّ على مقالاتي، أن يتمتّع بهذا الحقّ.

الهكواتي - تونس

*هو التونسي على الدّوعاجي القائل : "عاش يتمنّى في عنبة، مات جابوا له عنقود/ما يسعد فنّان الغلبة، إلاّ من تحت اللحود."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني