بوصلة سيدي النّا... 15 أجنحة لفراشة تلتهب، ختاما

سنتي على جناح السّرد 45 من 53 // بوصلة سيدي النّا... 15 من 23– 09 جانفي 2009

المسلك الثاني :

صوّان فوق الكثبان

الوجهة الخامسة 3 :

أجنحة لفراشة تلتهب، ختاما

"علاقة هذا بالواقع محض خيال"- الهكواتي


انتهى الحلم. انتهى.
صحيح أنّني لم أعد أعرف شيئا عن بدايات أحلامي ولا عن خواتمها. ولكنّ الحلم انتهى فعلا.
انتهى الحلم، أفقا أفتحه بإرادتي إذ أستسلم إلى نومي أو أسرح مبتعدا عن واقع يومي إلى دنيا خيالي. انتهى الحلم، مأوى لا أؤوب منه إلاّ بإلحاح من محيطي الحميم كلّما طلع النّهار، أو باقتحام من واقعي يفرض سلطان روتينه اليوميّ ملوّحا إليّ بأمل في انفراج ممكن.


انتهى الحلم. انتهى. ولكن لا لانتقال منه إلى يقظة لي فيها معالم واضحة. ولا لعودة منه إلى واقع لي فيه ما يغريني أو ما يستفزّني أو حتّى ما يعتدي عليّ. ولكنّ الحلم لم ينته إلاّ لتتوالى الكوابيس بلا هوادة. كوابيس الواقع تقتحم عليّ منامي، وكوابيس المنام تنتشر في مدار واقعي. فيرتبط بعضها ببعض متسلسلة بلا توقّف، لا يقظة من هذا ولا عودة من ذاك، حلقة لا تنتهي إلاّ لتبدأ من جديد.
انتهى الحلم. انتهى هذا الكائن الحكائي الذي كانت بإمكاني السّيطرة عليه تقبّلا و نقلا. انتهى هذا البناء الدّراميّ المحبوك الذي كان له مدخل ومخرج ومنفذ نجدة يمكنني أن أعبر منه لأبتعد عن رؤاي قليلا، فأتأمّلها وأتذكّرها وأرويها. لماذا وكيف فقدت السّيطرة على أحلامي ؟ لماذا صرت أنـحدر مباشرة من كابوس إلى كابوس ومنه إلى ألف كابوس آخر ؟ لماذا كتب عليّ أن ألمس القاع، ولا أجد أيّ رغبة لبذل الجهد لأطفو من جديد ؟
قد تكون هذه فكرة عبثيّة، ولكن، ألا يكون هذا لأنّني منقطع الصّلة بنسائي كلّهنّ ؟
أصغي إلى خفقان قلبي فيأتيني في التّوّ صدى ما بيني وبين عيشوشة من جفاء. دعوتها إلى ملاقاتي في أحلامي. كتبت لها إيميلا لهذا الغرض ولكنّها تبدو سعيدة بانقطاع البثّ. برّح بي غيابها فلم أجد له شرحا، وأعمتني رزمة النّقود الملعونة التي تركها لي ياسين بالأغنج. فسرعان ما نسيت أنّني مدين لها بالوفاء مدى الحياة، وسرعان ما هرعت إلى الزّنا حتّى قبض عليّ متلبّسا به مع بغيّ محترفة.
أشتاق إلى البّيه صبرية. كنت أُودِعُها في النّهار كلّ أسراري وهواجسي الدّفينة وكانت هي تحفظها لي بأمانة، فلا تخرج عن صمتها المتيقّظ. وحين يجنّ الليل، كنت ألقاها في أحلامي. فكانت تحدّثني بما يقال وبما لا يقال. ولكن، ها بينها وبيني تقوم الكثبان والجبال حائلة دون أيّ تواصل بيننا حتّى في الرؤى.
أحنّ إلى باب تونس، إلى زنقة بريقشة، إلى حضن أميمتي. فأنظر فإذا بيني وبين خدوجة الجعيد مسافة لا أعرف كيف ألغيها، ولا كيف أقطعها. أحنّ إلى تلك الصّباحات، أيّام كانت دي جي تجلس على طرف فراشي وتطلب منّي أن أروي لها أحلامي وهي تؤوّلها لي بتلك الطريقة التي لا يعرف سرّها سواها، والتي كان لها الفضل في شدّي إلى الحياة.
أمّا صوّانة فهي لم تعد تجيئني إلاّ في هيأة كلبة مكلوبة ملتهبة العينين مكشّرة عن أنيابها. فكيف أطمئنّ إليها ؟
ولمن أستيقظ إذًا ؟ لمن أفضي بهذا الحريق الذي يلهب أحشائي ؟ كيف إذًا أحافظ على توقي إلى الحلم بغد يخرجني من هذا النّفق ؟ أيّ غرابة، وقد رسبتُ في قاع القاع، في أن أفقد القدرة على التّركيز، وفي أن أعجز عن متابعة أحداث كوابيسي إذ تتتالى بسرعة كاسحة ؟ ما وجه الغرابة في أن يستوي عندي النّور بالظّلمة والعلم بالجهل والنّهار بالليل والماء بالنّار والحبّ بالبغضاء ؟ ما وجه الغرابة في أن أختار عدوّي صديقا وأتّخذ جلاّدي حاميا وأقطّر ماء النّار في عينيّ حين أحتاج إلى رؤية أوضح.


*****


... العينان معصّبتان وأنا ممدّد على محفّة. لست أدري مصدر هذا الجرح في رأسي، ولا كيف وصلت إلى هنا، ولا من ستر عريي بهذه الجبّة التي ليست لي.
- اشششت. صباح الخير. نهارك دقلة وحليب يا أخي. أجبني بالهمس حتّى لا يسمعنا أحد.
- صباح الخير.
- أنت محمد الأمجد بريقشة. أليس كذلك ؟
- بلى أنا هو. ولكن من أخبرك، وقد ضاعت محفظة أوراقي، ولم أكشف لأحد عن هويّتي؟
- اششششت... شريف سليل أشراف. ليس العيب في أن نقع في الخطأ بل العيب في أن لا نتوب. وأنت تبت، على ما أعتقد.
- تبت، أنا ؟ آه طبعا تبت. ولكن أين أنا ؟
- الآن في المستشفى. ولكن بعد أقلّ من ساعة ستكون بين أهلك وذويك. ألست تحبّ العراق السّليب ؟
- العراق السّليب ؟ آه طبعا أحبّ العراق ولا أحبّ أبدا أن يكون سليبا. ولكن ...
- اششششت... شريف سليل أشراف. فريدٌ حماسك للتضحية، وفريدٌ حبّك للعراق. ألست قائل قصيدة العراق، التي مطلعها "أحبّ العراق كما لا يحبّ العراق أحد" ؟
- بلى، بلى. ولكنّها كانت محاولة بسيطة قلتها في حالة سكر. كيف وصلتك القصيدة وكيف عرفت أنّني أنا قائلها ؟
- اششت... متواضع سليل متواضعين. لا يهمّ كيف وصلتني القصيدة. بل المهمّ أن تعلم أنّ صداها بلغ قمّة الهرم. فهنيئا لك إحرازك ثقة أعلى الهرم يا محمّد يا أخي.
- أعترف لك أنّها أوّل مرّة أسمع فيها عن هذا الهرم. ولكن، شرف كبير فعلا، أن يصل صدى قصيدتي إلى أعلاه. قل لي، ماذا جرى لي حتّى جيء بي إلى هذا المستشفى ؟ وهل سأنقل إلى السّجن بعد أن أشفى ؟
- شششت ... لا تذكر السّجن ولا تخف يا أخي. لن تدخل السّجن. وما برأسك جرح بسيط لا يستدعي البقاء هنا. لقد كان أعوان حراسة النّزل يقودونك فعلا إلى سيّارة الشّرطة، بعد أن قبضوا عليك متلبّسا في جناح حُجز للدّعارة. ولكنّ صدى قصيدتك سبق وقعتك فحقّ إنقاذك.
- إنقاذي ؟ إنقاذي من حرّاس النّزل ؟
- شششت ... كلنا معرّض للخطأ يا محمّد. أعلى الهرم تعرّف عليك من أول ما بلغه صدى قصيدتك. يبدو أنّه ابن بلد أو زميل دراسة. لقد أرسل في الحال أخينا الأكبر مخصوصا لتحويل وجهتك من سيّارة الشرطة إلى سيّارة الإسعاف. مبروك يا أبا المجد مبروك.
- مبروك على ماذا ؟ على سيارة الشرطة أو على سيارة الإسعاف ؟ لا بدّ أنّني فقدت ذاكرتي من جديد.
- شششت ... لماذا تقول هذا ؟ بل قل إنّك تصالحت مع ذاكرتك الحقيقية، فصرت صالحا للعبور.
- صالح للعبور ؟ آه طبعا، أنا صالح لكلّ شيء، حتّى للعبور، شريطة أن يتفطّن إلى مواهبي أحد. ولكن، قل لي، عن أيّ عبور تحدّثني ؟
- شششت ... كلنا ننتظر العبور إلى حيث نعدّ لأعدائنا ما ينبغي من قوّة ومن رباط الخيل.
- صحيح ؟ ولكن المشكلة أنّني ضعيف البنية ولا أحسن ركوب الخيل.
- اششششت... شريف سليل أشراف. تعيش عيشة البسطاء أيّاما معدودة فتخشوشن ثمّ إنّك نبيه وستتعلّم كلّ شيء بسرعة. هنيئا لك إذًا يا محمّد يا أخي. منّا من ظلّ ينتظر منذ سنة كاملة حتّى يكون جديرا بشرف العبور. أمّا أنت فقد اختارك أخونا الأكبر للعبور من أوّل يوم.
... شريف سليل أشراف ؟ أخشوشن بسرعة ؟ نعم، أمّا النّباهة فلم أعد نبيها... العينان معصّبتان وأنا ممدّد على محفّة. الجرح في رأسي خفيف ولكن الجرح في روحي غائر، غائر. لست أذكر كيف وصلت إلى هنا. ولكنّني مدين لمن ستر عريي بهذه الجبّة المتواضعة وحوّل وجهتي من سيّارة الشّرطة إلى سيّارة الإسعاف. سأعبر طبعا. ولماذا لا أعبر إذا كان لا بدّ من العبور ؟ ألا يكون العبور خيرا من السّجن ؟ ألا يكون العبور خيرا من الدّوران في حلقة مفرغة ؟ أنا السّاعة لا أفهم شيئا من هذا الكابوس. ولكن، قد أفهم حين أعبر مع العابرين. أم هل كتب عليّ أن أعيش إلى أبد الآبدين، كوابيس تظلّ عصيّة على فهمي ؟ اقرصيني يا أميمتي... أم هل أنت أيضا يا دي جي، اخترت أن تتخلّي عنّي، فلم أعد أظفر منك حتّى بقرصة؟

*****

أين أنا ؟ إلى أين تقودونني ؟ أين الشّمال، وأين الشّروق ؟ أين الجنوب، وأين المغيب ؟
...كثبان الرّمل تتشكّل، تعلو قبابا ينثرها الرّيح على امتداد البصر. الرّمل يتحرّك أمواجا تتجه من الأفق إلى الأفق تحت قبّة السّماء. الشّمس تغرب والآذان يوحّد كلّ المجموعات التي كانت تمشي متفرّقة فيجمّعها صفوفا. بينما يهمُدُ لهبُ الغروبِ حتّى ينطفئ نوره. فتصطبغ قبّة السّماء بزرقة حالكة عميقة. وتنتثر النّجوم فوقنا، خاشعة مع المصلّين الذين على الأرض، لآلئ تسبّح لله خالق الجمال من نور وعتمة. الله أكبر. الله أكبر. لا إلاه إلاّ الله.

من أين جئتم بكلّ هذا الحطب ؟
فلوس القاز يا الأولاد. فلوس القاز(1).
...الليلة عاشوراء(2) وغدا أيضا عاشوراء... نمشي في النّهار تحت الشّمس الحارقة لنتطهّر، وكلّما جنّ الليل نكدّس الحطب ونوقدها نارا ليس أرفع من لهيبها...
فلوس القاز يا الأولاد فلوس القاز.
...كيف أقفز فوق هذا الحريق الهائل وعيناي معصّبتان ؟ كيف أرى موضع قدميّ والكون ظلام دامس ؟
- اسكت يا أبا المجد. الحجر على من كفر... النّور في القلوب يا أخي.
... الله أكبر. الله أكبر كبيرا... اللي قلبه عامر يصلّي على رسول الله... فلوس القاز يا الأولاد فلوس القاز... خمسة وخميس. الحاضر محمّد والغائب إبليس. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا.
...المجد للأمس ماضيا إليه العود وفيه الخلاص. الله أكبر الله أكبر...
... فلوس القاز يا الأولاد فلوس القاز. ولترتفع ألسنة اللّهب. تبّا لحاضر خير منه الماضي، وسحقا لمستقبل حرقه خير من انتظاره حتّى يمر ونـحن عنه غافلون...
... خمسة وخميس. الحاضر محمّد والغائب إبليس... فلوس القاز يا الأولاد. فلوس القاز... الله أكبر. الله أكبر. كلنا فداء للعراق. كلّنا فداء للحسين. نبكيك يا حسين...
- ولكن كيف أطير وليست لي أجنحة؟
- ألا تسكت يا أبا المجد ؟ اندب معنا اندب. قل "نبكيك يا حسين" وكفّ عن هذه الأسئلة. كيف اختاروك للعبور وأنت لا تعرف حتّى الحسين ؟
- الحقيقة أنّني أعرف الحسن ابن عمّ عيشوشة الذي عاش. ولكنني لم أعرف توأمه الحسين أبدا. لقد مات ولم يبلغ سنّ الفطام فيما يقال. ولكن لماذا أندبه ولا قرابة بيننا حتى من بعيد ؟
- اسكت، يا أبا المجد. اسكت، الحجر على من كفر. ساعدنا بصمتك على الأقلّ إن شئت أن تخرج من هذه الصّحراء سالما.
... اللي قلبه عامر يصلّي على رسول الله. فلوس القاز يا الأولاد فلوس القاز... الله أكبر. الله أكبر. نبكيك يا حسين... ولكن فيك أفكّر يا عيشوشة... هل ينبغي أن أندب وأنا أفكّر فيك أيضا ؟ لا أستطيع أن أندب ابن عمّ لك، وأنت نفسك لا تعرفينه. آه يا عيشوشة، لو جئتني في منامي ما كنت لأقع في ما وقعت فيه.
...الله أكبر. الله أكبر. العاشق في النّبي صلّيو عليه. فلوس القاز يا الأولاد فلوس القاز... بالرّوح بالدّم نفديك يا حسين. بالرّوح بالدّم نفديك يا عراق.
- ولكن ما علاقة العراق بابن عمّ عيشوشة ؟
...العاشق في النّبي صلّيو عليه. خمسة وخميس. يا دي جي أين أنت ؟ الليل والنّهار ينصهران. الرّمل محرق تحت رجليّ الحافيتين والشّمس تصلي رأسي العاري... حدود الجزائر بعيدة. ولا آخر لهذه الصّحراء. لو قرصتِ إصبع رجلي، يا دي جي، لاستيقظتُ وحكيت لك حجم الهاوية التي إليها أسير في هذا الكابوس الرّهيب.
... الله أكبر. الله أكبر والمجد للعراق. أين أنت يا ابّيه صبريّة ؟ ألا يوجد مسلك آخر للعراق غير هذا ؟ لو وجدتك وحدك في السّقيفة يا ابّيه صبريّة، لبحت لك بأنّ لساني الذي يقول نعم يخذل قلبي الذي يقصد لا... لو وجدت فرصة للقائك لقلت لك صراحة :
- أشهد أن لا إله إلاّ الله. وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. وأشهد أنّني أتعذّب كثيرا في هذه الدّنيا الفانية، ولكنّني لا أكرهها. وأشهد أنّني أحبّ العراق كما لا يحبّ العراق أحد، ولكنّني لا أريد أن أضحّي بروحي لأزهق أرواح الأبرياء...
- حجر على من كفر. اسكت يا ولد بريقشة، اسكت إلى الأبد، لعنة الله عليك.
- إليّ يا سيدي النّاااااااا...

*****
... حجر ثقيل ينزل على الجرح الخفيف. من هذا الذي يعاقبني لأنّني قلت قصيدة عن العراق دون أن أتعرّف مسبّقا على ابن عمّ عيشوشة ؟ من هذا الذي قطع نور الشّمس عن النّهار ؟ رحمة بي، أوقدوا شمعة لأرى نجوم القيلولة، أوقدوا شمعة حتّى أتمكّن مجدّدا من الغناء :

فْلُوسْ القَازْ يَا لَوْلاَدْ فْلُوسْ القَازْ
حَطْبَة حَطْبَة لِمُّوا الشَّطْبَة وصُبُّوا القَازْ
وإِيجَا يَا بَهِيجَة
نْشَعّْلُو الْهُجِّيجَة
بْإيدِكْ وِبْسَاقِكْ إِرْكِزْ
نَقَّزْ خَلِّينِي نْنَقَّزْ
يَا وْلَدْ لْغَادِي قحَّزْ
اِبْعِدْ يَا وِلْدْ أَمُّكْ
يَعْطِيكْ كَفّْ يْلِمِّكْ
وتْجِيكْ دْجَاجَة كُرْكَة
وْمَرْتِكْ تَعْمَلْ لِكْ عَرْكَة
وِالحَلُّوفْ بُو زَمْزُومَة
مَا يَهْبَطْشِي لِلْحُومَة
والحُومَة مَا فِيهَا حَدّْ
مَا فِيهَا كَانْ بُوكْ أَحْمِدْ
بُوكْ أَحْمِدْ جَاكُمْ نَقَّازْ
قُلْ لُه هَاتْ فْلُوسِ القَازْ
فْلُوسْ القَازْ يَا لَوْلاَدْ فْلُوسْ القَازْ

... حجر ثقيل ينزل على جرح خفيف. فإذا أنا أسقط من فوق الكثيب متدحرجا على الرّمال. وأرى مجموعات المتطهّرين بالمشي في الصّحراء تبتعد عنّي عَدْوًا. إنّهم يتركونني لمصيري. بعد حمّى، يتهيّأ لي أنّني أرى في البعيد ما يشبه ذبابة، أو لعلّها طائرة مروحيّة. هل جاؤوا لإنقاذي أم للقبض عليهم ؟
...ويغيم المشهد تدريجيّا. مرّة أخرى يلتمع أمام عينيّ بريق. حصيّات ثلاث من الصّوّان بديع الألوان، تظهر لي بوضوح، تلتمع على الرّمل في الظّلام كأنّها نجوم نزلت من قبّة السّماء على الكثيب.


... هذه ثلاث حصيّات أخرى من تلك السّبع الملساء التي انتزعها المقدّم عبد الحفيظ من دماغي. لم تعد تنقصني سوى حصيّة واحدة. ولكن ما الموت إن لم تكن هذه الغيبة التّامّة عن الوعي؟ وما القيامة إن لم تكن هذه التي، فجأة، تغيّم المشهد من جديد ؟ ... من لي يلتقط هذه الحصيّات من فوق الرّمل ويضعها في قبضة يدي قبل أن أنطفئ ؟
لماذا، يافراشة باب تونس، تقتحمين النّار مادمت لا تريدين أن يلتهب جناحاك ؟


الهكواتي .../... يتبع

------
(1) هذا مطلع أهزوجة كان الأطفال ينشدونها حول نار توقد احتفالا بعاشوراء ويقفزون فوقها. أشير للأمانة العلمية إلى أنّني لم أعد أذكر سوى هذا المطلع الذي قد لا تكون له بقيّة، وإلى أنّ نصّ الأهزوجة أدناه من تلفيقي الخاصّ على نمط ما كنّا ننشده في طفولتنا المبكّرة.
(2) عاشوراء المقصودة هنا، هي احتفال شعبيّ من أصل شيعيّ، على حدّ علمي المتواضع، لم يبق منه زمان طفولتي سوى تلك النّار التي كانت توقد تحت السّور، أمام باب تونس تحديدا. وهو تقليد تلاشى اليوم تماما على ما أعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني