خاشع، أعبث النّصّ

سنتي على جناح السّرد (؟؟/53)
بوصلة سيدي النّا.../ النّص 0ب من 23 / نافذة ثانية/ 26 سبتمبر 2008

الإهداء : إلى التي قالت "عار عليك، وأنا منك، أن أظلّ أعرق المصابين بدائي. ولا شفاء اليوم إلاّ لذوي القربى. وليس لي إلاّك متّكأ. أنت السّمين وآلك وصحبك كلّهم شحم ولحم". حلفت لها أن لا حول لي. فكفرت بي. فقلت "أعرق منك محمّد الأمجد بريقشة". قالت "فمن يكون هذا ؟". فكان لا بدّ أن أنعرج بمسار السّرد لأحدّث عن :

"بوصلة سيدي النّا..."

نافذة ثانية : خاشع، أعبث النّصّ
حين أعدت قراءة هذه النّافذة الثانية قبل نشرها، داخلني الشّكّ في أنّ بعض ما جاء فيها أملاه عليّ أو أجراه على لساني المدعو محمّد الأمجد بن الحبيب بن البحري بريقشة. إنّما كان بذلك يدافع عن نفسه في صمت وانضباط، ويحاول، بالمرّة، إثبات معرفته بشؤون الأدب. غفر الله له.

يدهشني النّصّ إذ آتيه كمزاجي، مبتهجا أو حزينا، مازحا أو جادّا، متفائلا أو محبطا. فأدعوه إلى اللعب. فيقبل دائما أن ألاعبه. فلا يزال بي يلاعبني وفق مزاجي، حتّى يكون.
ويدهشني النّصّ، يكتمل فيرتدي من الأقنعة قبل خروجه إلى النّاس، مثل ما يرتديه الآدميّون. فلا ينفَذُ إلى أسراره إلاّ من أجهد نفسه في التّقرّب إليه ومعاشرته، مقدار ما كابد عشرتَه كاتبُه.

ثمّ تدهشني "شقاوة" الطّفل في الذّات المسكونة بالإنشاء. فلا أكاد أتخفّف من وجع الوضع، حتّى يلذّ لي السّعي إلى كشف قناع النّصّ، كما لو لم أرهق نفسي في صنعه على قياسه. فلَكم عاتبني المعاتبون على إلزام نفسي بما لا يلزم في عرفهم. ولكنّني مازلت مدمنا نبش هوامش النّصوص، حتّى من قبل أن أكتبها. كما لو أنّها كائنة قبلي، ولا دور لي إلاّ السّعي إلى التّعرّف عليها قبل الشّروع في ملاعبتها. حتّى إذا اكتملت بعد طول جهد، وجدتني أعيد النّبش في هوامشها، كما لو أنّني أعيد اكتشافها من جديد، فأندهش من جديد، ويسرّني أن أقتسم دهشتي مع غيري.

هذه إذًا، "بوصلة سيدي النّا..." لعبة أخرى أبدأها نابشا في هوامشها من قبل أن أضع قوانينها. ذلكم أنّ النّصّ عندي يبقى لعبة، كلعبة الحياة تماما، مجرّد مساحة عبث تبدأ بوجود وتنتهي إلى عدم، كلعبة الحياة تماما، هذه الدّنيا ملعبها، نجيئه لنقضّيَ فيه مساحة زمنيّة بين صفّارتي حكم. ثمّ نرحل عنه إلى الأبد.

فإذا كان منّا من يختار قضاء هذه المساحة في المدارج متفرّجا، يصفّق لمن يشاء كما يشاء، ويسخط على من يشاء متى يشاء وله، إذا شاء، أن يقابل من يشاء بمطلق اللامبالاة، وإذا كان منّا من يفضّل العدو مع اللاعبين نافخا في صفّارته كالحكم، حريصا على فرض قواعد لعبة ورثها عمّن سبقوه، فإنّ قليلا منّا آمنوا بأنّ قدرهم ألاّ يكونوا إلاّ لاعبين بأحشائهم، على مرآى ومسمع من الجميع. هؤلاء يخوضون اللعبة، لا يضيرهم إن كانوا اختاروها أم كانوا عليها مجبرين. فيلعبون في قطعة من الملعب هم من يسطّرون حدودها بمزاجهم. ويضعون للعبتهم قوانين يفرضون على أنفسهم احترامها. ويصفّرون عند خرقها كما شاء لهم مزاجهم. وكذا يختارون وحدهم منافِسيهم، فلا يكونُ لهم منافسون سواهم.
قدري أن أكون واحدا من هؤلاء. وما محمّد الأمجد بريقشة إلاّ شلوا اقتطعته من أحشائي، ألاعبه في "بوصلة سيدي النّا..." فيلاعبني عساه يكون أو لا أكون. فتلك هي قضيّته، قضيّتي.

*****
"كم جولة ينبغي أن تستغرق لعبتنا ؟"


في البداية كان الحساب إذًا. سألت محمّد الأمجد – أو مجدة كما كان يناديه سيدي النّا...- إن لم يكن علينا أوّلا أن نـحدّد طبيعة اللعبة التي سنلعبها. فقال إنّ ظروفه لا تسمح له بمثل هذا التّرف، وإنّ الذنب ذنبي أنا إذ دعوته إلى ملاعبتي وأنا بعد منغمس في لعبة أكبر، وإنّ أمامه أسابيع معدودةً. فإمّا أن يكون أو أكون مضطرّا إلى إجهاضه.
وهكذا، نشأ السّؤال : ما المانع في أن ينطلق السّرد من مساحة جرداء مضبوطة الحدود سلفا لا ألعب خارجها ؟ وما المانع في أن تفرض عليّ هذه المساحة أن أقيم عليها البناء في شكل معماريّ مضبوط سلفا ألتزم التّقيّد به قبل أن أعرف نوع البناية التي عليّ تشييدها ولا طبيعة الموادّ التي يمكنني استعمالها في البناء ؟ ألا يبنى القصيد العموديّ على طراز معماريّ ضُبط من قبل أن يولد شاعره أصلا ؟ ألم يكن للقصيدة العربية التّقليدية، إلى جانب بحرها ومصراعيها، أغراض متسلسلة مضبوطة أيضا سلفا ؟
صحيح أن تاريخ الشّعر العربي الحديث كُتب أساسا بلهب الثّورة على هذه القيود. ولكن، أليس في الثّورة على تحجّر الثّورة ما يصحّح مسارها أحيانا ؟ أوَلا يكون في خوضي اللعبة، وأنا مقيّد، حافز إضافيّ لي على رفع التّحدّي رغم أنف الأغلال ؟
قلت لمجدة ممازحا : أنا أتبرّك بالرّقم 17 لذا أريد أن نلعب سبعة عشر شوطا. وأريد أن أصفّر نهاية كلّ شوط منها على مزاجي.
فقال بكامل الجدّ : موافق، ولكنّني وإن كنت أحبّ التّناظر فأنا أكره الرّتابة. لذا أريد أن أختار من بين هذه الأشواط إثنين أقسّم كلاّ منهما إلى قسمين، كلّ واحد يستغرق ما يستغرقه الشّوط العاديّ، واثنين آخرين أجزّئ كلاّ منهما إلى ثلاثة أجزاء، كلّ بحجم الشوط العادي أيضا.
انسقت معه إلى الجدّ في الحين وقلت : موافق، شريطة أن أتحكّم أنا في السّرد لا ينازعني فيه منازع، أغيّر شكله متى شئت ولا أترك لك شدّ خيط منه إلاّ متى عنّ لي، وأفرض سلطاني على خطّ الزّمن أفكّكه وأعيد تركيبه على هواي...

فقاطعني قائلا : إذًا تترك لي المكان أتنقّل بحرّية مطلقة حيث شئت أو شاء لي قدري، وعليك أنت أن تتبعني.

قلت : أو أسبقك.
قال : أو تسبقني فألحق أو لا ألحق.
قلت : بل تلحق، لأنّنا سنضبط من البداية مسالك ثلاثة.
قال : بعدد أسطر الهيكة.

سكتّ هنيهة ثمّ قلت : نعم، بعدد أسطر الهيكة. ألستُ الهكواتي ؟
قال : موافق، على أن ألاعبك هيكا. أتقول أم تترك لي أن أقول ؟
قلت : "بل فخر لي أن أراك تنضج فتنشئ. ويسرّني أن تقول أنت."
فقال مرتجلا، وكأنّ ما يقتضيه قول الهيك من تأمّل وتركيز لا يعنيه :

قطبيّ نجمي

صوّان فوق الكثبان

بدر في التّمّ

أطرقت أتأمّل قوله، فإذا هو من الهيك مبنى ومعنى. فقلت : أردتك مجرّد نطفة مثقّف، فإذا أنت هكواتي.
قال : فقط إلى حين تفرغ من رسم ملامحي النّهائيّة كما تريدها.
فكّرت قليلا ثمّ قلت: أقبل ملاعبتك على هيكتك. فلنجعل من كلّ سطر منها مسلكا ومن كلّ مقطع وجهة.

*****


يدهشني النّصّ، يطلّ برأسه من النّافذة من قبل أن أكمل فتحها. وأنشئ شخوصه من عدم فتجادلني كما لو كانت شريكة لي في أبوّة أثري. صحيح أنّ مسيرتي الذّاتية المتواضعة في الإنشاء قامت على التّجريب، لا أستهين به أبدا، ولا أخافه. أمّا أن أترك مقود لعبة السّرد وتخطيطِ مساره بين يدي أحد غيري، فهذا ما لم يحصل لي قطّ قبل أن أنشئ محمّد الأمجد بريقشة.

أجهدت نفسي لأجعل منه مشروع مثقّف. وتخيّلتني أستأنس به محاورا. فإذا هو معارض، إن تكلّم أربك ما خطّطت، وإن أخرسته كان حضوره مدوّيا في باطني. فإذا أنا أخشاه فلا آتي حركة إلاّ سألت نفسي : "ما عسى يقول عنها محمّد الأمجد بريقشة ؟" عيبه أنّه أظهر ميلا إلى الاستهتار في اللعب. ما خشيت معه من أن ألاعبه صراحة، خوف أن يكون في هذا خطر على اللعبة ذاتها. لذا عمدت إلى تهميشه حتّى يحين أوان التحرير.

تدهشني اللعبة، تفرض عليّ الخشوع مهما دفعني فيها حماسي إلى أقاصي العبث. ويدهشني خضوعي إلى نزوات محمّد الأمجد بريقشة، حاضرا كان أم مغيّبا. أعرف أنّه كان يصرفني عن الخوض في أصل دائه تعفّفا أو حرجا، ولا أجد الجرأة على مجابهته بحقيقة ما أعلمه من شأنه. بل أنساق معه في متاهات حسابات شكليّة ورسوم مكانها من النّص هامش هامشه.
ولكن من قال إنّ أصل داء محمّد الأمجد بريقشة ليس في هامشه ؟ ومن قال إنّ صرف كلّ الوقت المخصّص لتخطيط الإنشاء، على ضيقه، في رسم معمار النّصّ وضبط مواعيد نشره والاستماع إلى بعض من إيقاعه، في تجاهل ماكر لمضمونه، ليس أقوَمَ السّبل لتأمين حرّيّة الخيال المنشئ ضمن حدود الشّكل المضبوط، وللحفاظ على حدّ أدنى من تلقائيّة التّحرير الكفيلة بتأمين لذّة اكتشاف التّفاصيل في أوانها، حين تتشكّل الفكرة نصّا، و يتحسّس النّصّ طريقا إلى اكتماله ؟
طال صمت محمّد الأمجد بريقشة، وهو يتأمّلني بصدد تخطيط "بوصلة سيدي النّا..." ويستبطن المنعرج الذي بدأ يحدث في تركيبة شخصيّته. ثمّ نطق فجأة وكأنّه تضايق من مسكي بكلّ خيوط اللعبة وعدولي عن تشريكه في الإنشاء.
قال : "يدهشني في المنشئ، صدق خبثه. يقدم على تعرية أسرار إنشائه، فيفتح مثل هذه النّافذة. ثمّ ويجلب انتباه قارئه إلى ما يفعله بورقة من أوراقه في ركن من الملعب يسلّط عليه كلّ الأضواء، ولا قصد له إلاّ صرف الانتباه عمّا هو بصدد فعله بأوراق أخرى أكثر أهمّيّة، في ركن آخر من الملعب، يتعمّد إغراقه في العتمة."
عبثا حاولت إقناعه بأنّني لو كشفت كلّ أوراق لعبتنا، فإنّني سأحرم القرّاء من لذّة متابعتنا حتّى النّهاية. وعبثا شرحت أنّ الأهمّ هو أن أترك النّافذة مفتوحة، فيتسنّى للمتفرّج أن يشرف على كلّ الملعب. وعبثا أقسمت على الصّدق في كلّ ما ألفت إليه الانتباه، كما في كلّ ما أحاول إخفاءه حتّى يحين موعد كشفه. ولكنّ مجدة لبس قناع عليل في بداية أزمته النّفسية، ولاذ بالصّمت من جديد فتجمّدت على شفتيه كالابتسامة السّاخرة.

*****

ليس أعمق ولا أثرى ولا أكثر اصطخابا من صمت الرّسّام وهدير الموج في البحر. لذلكم لذت بصمتي أنا الآخر. وبدأت أخطّط شكل النّصّ كما يُخطَّط هيكلُ معزوفةٍ موسيقية أو يُهيَّأ فضاء لوحة يراد رسمها. بدأت برسم أوّلي لملامح "بوصلة سيدي النّا..." فكان مشروع لوحة، تعتمد مفردة تشكيليّة وحيدة، تتعدّد بعدد الأشواط المتّفق عليها في لعبتنا. أطلعت محمّد الأمجد بريقشة على رسمي. فما كان له من ردّ فعل سوى تلكم الابتسامة السّاخرة المتجمّدة على شفتيه.

نظرت إلى لوحتي : سبعة عشر مستطيلا، متقاربة الحجم مختلفة الألوان، مصطفّة عموديّا. لعلّها لا تختلف كثيرا عن عمارة من تلك التي تتناسل في الأحياء المعدّة للنّوم دون الحياة. قلت لنفسي "ربّما أزعجه تماثل الأشكال" وأعدت الرّسم. ثمّ عرضته عليه : نفس الابتسامة السّاخرة المتجمّدة.

نظرت إلى اللوحة الجديدة. لقد أضحت تظهر فيها مستطيلات ومخمّسات ودوائر بيضويّة. مفردات تشكيليّة ثلاث، بعدد أسطر الهيكة. كلّ المفردات منضّدة وفق تسلسل لا يخلو من منطق ضمن نفس البناء العموديّ. وهي تتوزّع بتناظر على المسالك الثّلاثة. قلت "قد لا يكون راقه تلاصق المسالك". وأعدت رسمي.
خصصت مفردات كلّ مسلك بتنويعات على لون يجمع بينها ويظهرها مستقلّة نسبيّا عن مفردات المسلك الموالي. ألواني اقتبستها من طيف الأزرق فطيف الأخضر فطيف الأحمر. وجعلت لكلّ مفردة نصيب مختلف من توزيع النّور والعتمة يميّزها عن بقيّة المفردات المماثلة شكلا أو لونا، فإذا هي تشبهها ولا تشبهها.
عرضت الرّسم الجديد على محمّد الأمجد بريقشة. فقابله مرّة أخرى بذات الابتسامة السّاخرة. فصحت فيه وأنا لا أكاد أمسك أعصابي : "ما الذي يضحكك ؟ ألا يعجبك العجب ؟"


فاجأني ردّ فعله. فقد اكتشفت وأنا أستمع إليه متابعا ما يفعله ومتأمّلا وجهه بعد طول إعراض عن النّظر إليه، أنّ ملامح شخصيّته قد نضجت تماما في غفلة منّي. قال :
- "ليست هذه رغبة منّي في منافستك على سلطانك. فأنت لنصّك هذا منشئه الأوّل والأخير. ولكنّك خفت منّي وما كنت إلاّ صنيعتك. وسارعت بتهميشي بعد أن وعدت بتشريكي في تخطيط معمار نصّك. فلو أوفيت بوعدك لربّما كنت أعنتك. ولكان رسمك أفلت من رتابته الخانقة."

من أين لمحمّد الأمجد بريقشة كلّ هذا النّضج ؟ من أين له هذا الرّدّ الرّصين وهو الشّابّ، وطبع الشّباب الحدّة، والرّصانة من التجربة، ولا تجربة له في الحياة ؟
أيكون في الهامش ما ينضج بمثل هذه السّرعة ؟ أم أنّه المنشئ، يلعب كالبهلوان على الخطّ الفاصل بين الحكمة والعبث، وما من واق له من الانفصام ؟ من يكون محمّد الأمجد بريقشة ؟ صنيعتي أم شريكي أم ظلّي على أرض الانشطار ؟
تركت اللوحة أمامه وبقيت أنظر إليها في صمت وأنتظر أن يقول. فأخذ ورقة، ومسك قلما، فأعاد تخطيط المسلكين، الأوّل والثّالث، كما كنت صمّمتهما. وتناول المسلك الثّاني، فقال : "اللّبّ في الوسط". ثمّ اشتغل على الوجهة الثّانية فضاعفها والثّالثة فثلّثها، ثمّ الخامسة فثلّثها كالثّالثة والسّادسة فضاعفها كالثّانية. ثمّ مدّ لي رسمه قائلا : "لعلّها كذلك أن تطير". وسكت.

*****

كان لا بدّ من إعادة الرّسم. وكان عليّ أن آخذ بمقترح محمد الأمجد بريقشة، كما وعدت. وحين فرغت من عملي وجدتني معجبا بالنّتيجة. لا نتيجة الرّسم وحدها، بل نتيجة المخاض الفكري الذي أوصلني إليه. فقد دفعني مجدة إلى العودة إلى شكل معماري للإنشاء كنت قد جرّبت الاشتغال عليه في سياق مختلف عن هذا تماما. وكانت بحوثي قد تقدّمت فيه شوطا لا بأس به، ضمن مصنّف مازال ينتظر أن يرى النّور.

أعجبتني فكرة الأجنحة وطربت حقّا لتوق محمّد الأمجد بريقشة إلى الطّيران وهو يعلم أنّ داءه يشدّه إلى الأرض شدّا. ولكنّني حين أخذت من اللوحة مسافة لأتأمّلها، تفطّنت إلى أنّ عدد مفرداتها بلغ ثلاثا وعشرين من حيث أردتها سبع عشرة مفردة فقط. فكان عليّ أن أهضّم المفاجأة بابتسامة.

تدهشني الشخوص، أبدأ رسمها بالصّدفة كما اتّفق، فإذا هي تكتسب من الدّهاء ما تأخذ به من روحي وجهدي وتسطو به على فكري وتعدّل به ذوقي. قلت في نفسي : "مازال في الوقت متّسع للاستعداد للمنعرج، ولملاعبة مجدة على النّحو الذي يريد".

تذكّرت شرطه بأن أترك له المكان يتنقّل بحرّية مطلقة حيث شاء. وحضرني مقترح صديقة نصحتني بأن أتجوّل في البلاد لأبثّ في "سنتي على جناح السّرد" من نَفَس مدنها وقراها. فقلت "أستعدّ للّعبة بالسّفر". وتأمّلت من جديد هيكة محمّد الأمجد بريقشة:

قطبيّ نجمي

صوّان فوق الكثبان

بدر في التّمّ

إذا كان "النّجم القطبيّ" مرئيّا من كلّ مكان، وكان "بدر التّمام" يرى من كلّ مسلك،
وإذا كان اللّبّ في الوسط، وكان الوسط يكشف "صوّانا فوق الكثبان"،
ولأنّ الكثبان من خصائص الصّحراء، فلعلّي أصنع طيّبا بأن أبدأ تجوالي في البلاد بالاتّجاه جنوبا.


*****

هكذا إنّما سبقت محمّد الأمجد بريقشة إلى تخوم الصّحراء، أملأ رئتيّ بنفسها في عزّ الصّيف.
حذار، إذًا، من ضربة الشمس، وقراءة ممتعة.

الهكواتي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني