المنعرج

سنتي على جناح السّرد (؟؟/53)
بوصلة سيدي النّا.../ النّص 0.أ من 23 / نافذة أولى/ 19 سبتمبر 2008


الإهداء : إلى التي قالت "عار عليك، وأنا منك، أن أظلّ أعرق المصابين بدائي. ولا شفاء اليوم إلاّ لذوي القربى. وليس لي إلاّك متّكأ. أنت السّمين وآلك وصحبك كلّهم شحم ولحم". حلفت لها أن لا حول لي. فكفرت بي. فقلت "أعرق منك محمّد الأمجد بريقشة". قالت "فمن يكون هذا ؟". فكان لا بدّ أن أنعرج بمسار السّرد لأحدّث عن :

"بوصلة سيدي النّا..."

نافذة أولى : المنعرج


باسم الله الرحمان الرحيم، وبه أستعين على نفسي إذ تأمر بالسّيّئة، عسى أقوى على دفعها، وبالحسنة، لعلّي أصبر على مكابدة التّعب في سبيلها، وأثابر على الجهد حتّى أفيها حقّها، وأتقنها ما استطعت إلى الإتقان سبيلا، وبعد،
أعلم أنّ المقدّمة عادة آخر ما يكتب في كتاب من هذا النوع، بعد اكتمال المتن. ومع ذلكم، فهذا كتاب أبدؤه من هذه "النّافذة" تقوم مقام مقدّمة، ولا أعلم من تفاصيله غير خطوط عريضة، ما تزال في حاجة إلى مزيد من التقويم والتّعديل، وإلى كثير من الإثراء بما تقتضيه من أحداث فرعيّة وشخصيّات ومواقع، قبل بداية تحريره.
كلّ ما أعرفه الآن، هو أنّني بعد تفكيري، منذ بداية "سنتي على جناح السّرد"، بمنطق النّصوص تنشر مستقلّة، فيضمّها بعد ذلكم كتاب واحد أو أكثر، وترتّب وفق تواريخ صدورها أو بترتيب مختلف تماما، آليت على نفسي أن أفكّر، من الآن وحتّى نهاية التّحدّي المعلوم، بمنطق الكتاب الموحّد، يحوي عددا معلوما من النّصوص، تصدر أسبوعيّا كما جرت العادة، ويمكن لبعضها أن يبدو كالمستقلّ بذاته، ولبعضها الآخر أن لا يكتمل إلاّ بنصوص تجاوره أو تقيم على مسافة منه، ولكنّها في النّهاية تشكّل معه مجرّد أجزاء لا يكتمل معنى الكلّ إلاّ باكتمالها بالعدد المعيّن سلفا في بيان الهكواتي.
كذلكم أعلم أنّ العنوان آخر ما يضبط، وأنّه يمكن أن يكون موضع تعديل أو تراجع وتعويض حتى آخر لحظة قبل طبع الغلاف. ومع ذلكم فقد أعطيت هذا الكتاب من الآن عنوانه النهائيّ. سيكون "بوصلة سيدي النّا..."، بوصلة قد يساعدني الاهتداء بها، فلا أترك لخيالي أن يتوه أو أن يفرز من التّفاصيل أثناء التّحرير، ما يجعل عنواني هذا غير ذي موضوع أو يجعلني أندم على إعلانه قبل الأوان.
ولكنّني إذا اخترت لهذه "النّافذة الأولى" عنوان "المنعرج"، فليس معناه أنّ لهذا العمل السّرديّ أيّ ادّعاء خارج تجربتي الذّاتية. فليس لهذا المنعرج من معنى خارج دائرة "سنتي على جناح السّرد". وإنّما أردت بفتح هذه النّافذة أن أعلن عن انتهاء مرحلة أولى من هذه السّنة وبداية مرحلة ثانية (وأخيرة) تشكّل فيها منعرجا، وتدخل عليها حركيّة جديدة، تحوّلا عن النّصوص المستقلّة القصيرة أو قليلة الطّول، إلى نصوص متضافرة، تتآلف لتصبّ في مجرى موحّد، وتسير معا إلى نهاية واحدة.
ولكنّ ما يميّز هذا الكتاب فعلا هو أنّ ظروف إنشائه، تختلف عن ظروف إنشاء ما سبقه من نصوص سنة السّرد، بل وحتّى عن ظروف إنشاء ما يشبهه من الأعمال السّرديّة عموما. فهذا عمل، على ما يعلنه من قطيعة مع نتاج المرحلة الأولى، يتنزّل في سياق المشروع ذاته والتّحدّي ذاته. ولئن لم أكن قد تصوّرت من البداية أن يكون ضمن ثمار سنتي هذه، نصّ مركّب على هذا الشكل، فإنّ مجريات هذا التّحدّي هي التي أفرزته بالتّأكيد.
فلقد التزمت منذ تلاوة بياني الأول في نادي القصّة "أبو القاسم الشّابّي" بتونس وفي حلقة أصدقاء الهكواتي بالمنستير، بالإنصات إلى نبض محيطي المباشر والتفاعل معه ما أمكن التّفاعل. فحدثت ظروف يسّرت إقدامي على تجريب كتابة "محاولة في السّرد النّقدي". فكان نصّ "عم ادريس في واب شخصون" الذي احتفيت فيه بالرّشيد إدريس ساردا، ووجدتني أنشره على حلقات ثلاث مع اعتباره نصّا واحدا، وأصدر للاحتفاء به، كنصّ أنشأته على غير نمط مسبوق، ملحقا "لبيان الهكواتي" يبرز أهمّية هذا النّصّ ويعدّل قانون اللعبة لتقبل مبدأ النّشر على حلقات.


ولم أكد أتخفّف من الأعباء التي فرضتها عليّ الضّجّة الخرساء التي تلت هذه التجربة، حتّى وجدتني معنيّا بحدث عابر أثار فيّ شعورا بواجب التّطرّق للظّاهرة ككلّ في نصّ سردي. فوجدتني، والأفكار تتصارع في ذهني والذكريات تصطخب، مسكونا بهذا الموضوع كما لو أنّه لم يكن ينتظر، لفرض حضوره الآسر عليّ، إلاّ أن أعبر من ذلكم المكان وأن أُقحَم في ذلكم الحدث الذي لم يكن منتظرا. فإذا أنا أحبل بمشروع نصّ له من الطّموح أكثر من أن يكفيني أسبوع واحد للفراغ من تصوّره وتحريره.
لم يكن أمامي سوى خيارين، ترك هذا المشروع إلى وقت لاحق قد لا يأتي أبدا، أو الإقدام، وأنا في خضمّ سباقي الماراطوني هذا، على مغامرة جديدة، في ظروف أبعد ما تكون عن تأمين نجاحها. فتذكّرت من بين ما طرح عليّ من أسئلة، بعد تلاوة بيان الهكواتي، وقبل الشّروع في نشر النّصوص الأولى، سؤالا في شكل مقترح، يدعوني إلى "الاستعانة على صعوبة المهمّة" بإنشاء نصوص متسلسلة حول شخصية وحيدة لها نفس العادات، تتعرّض في كلّ مرّة إلى أحداث مختلفة، أو حول مكان وحيد له نفس الملامح، يدخله في كلّ مرة أناس مختلفون. كتابة على شاكلة السّلسلات التّلفزية المعروفة "بالسيتكوم".
هكذا بدأت أعدّ لإحداث هذا المنعرج، متخيّلا تجربة سرديّة جادّة، تحاول أن تبتعد قدر الإمكان عن مثل هذه الطّرق المعبّدة، وأن تكون جديرة بأن تمثّل تحدّيا جديدا في صلب التّحدّي الرّئيسيّ.
لذلك كان لا بدّ أن أتوقّف برهة لأتأمّل تجربة سنتي هذه، فأقرّ في النّهاية بأنّني، لئن أعلنت من البداية أنّ شأن تصنيف نصوصي لا يعنيني بقدر ما يعني النّقّاد، ولئن رفضت مبدئيّا حصر تجربتي ضمن إطار القصّة القصيرة، أو محاسبتي عند قراءة نصوصي على مدى صرامة التزامي بالقواعد التّقنيّة لهذا الجنس الأدبيّ بالذّات، فإنه يحقّ للمختصّين أن يصنّفوا نصوصي المنشورة إلى حدّ الآن، في أغلبها، ضمن ما يسمّى "بالقصّة القصيرة".


ولهذا فإذا كنت أريد لسنتي أن تكون "على جناح السّرد" عموما، لا على جناح القصّة القصيرة وحدها، فإنّه يتعيّن أن يكون ضمن نصوص سنتي هذه نصّ واحد، على الأقلّ، يبلغ من الحجم ما ينأى به نهائيّا عن القصّة القصيرة، فيقرّبه بشكل أو بآخر من الرّواية. ولكن عليّ، في الوقت الحاضر، أن أترك للمختصّين أمر تحديد الجنس الأدبي لهذا النّص المنشود. يكفيني الانتباه إلى مدى الأهمّية التي أضحى يكتسيها هذا المنعرج، أوحت لي بفكرته تلكم الحادثة العابرة، فإذا به يصبح ضرورة حيويّة لتجربتي، وتحدّيا جديدا عليّ رفعه قبل نهاية سنتي.
ولكن كان لا مناص، إذا أردت أن تتضمّن تجربتي نصّا بمثل هذا الحجم، من أن أعدّل قانون اللعبة المعلنة في بيان الهكواتي، وأقرّ مبدأ نشر النّصّ الواحد على حلقات، مع اعتبار كلّ حلقة، وحدة حسابيّة معادلة لوحدة النّصّ في مفهوم صيغة البيان الأولى. لذلكم كان لا بد من فتح هذه النّافذة الأولى، تستهدف قرّاء مدوّنتَي ورشة الهكواتي وقرّاء الكتاب على السّواء. فتقوم مقام ملحق جديد للبيان، تعلم عن المنعرج وتضع النّصّ المنشود في موقعه من تجربة "سنتي على جناح السّرد".

ولأنّ هذه التجربة الأدبيّة الجديدة ستقوم على تعرية عمليّة الإنشاء أمام القرّاء، فلا يمكنها أن تحقّق هدفها دون تعرية المخاض الفكري الذي تقوم عليه هذه العمليّة، وفضح ظروف نشأة الفكرة والتّخطيط لتجسيدها. لذا، كان لا بدّ من فتح "نافذة ثانية"، تتحدّث عن النّص ذاته، وعمّا حفّ بهذه الولادة بالقوّة، وهي تفرض عليه أن يحلّ منقوصا واجبه الاكتمال في العراء المطلق أمام أعين قرّائه.
ولأنّ هاتين "النّافذتين"، تشكّلان للنّص المزمع إنشاؤه رافدا لا بدّ منه في سياق التّجربة، ولكنّه ليس من المتن السّرديّ في شيء، فإن منطق الحساب، لأنّه لا بدّ من الحساب، يفرض اعتبار هذه "النّافذة" وتاليتها التي تصدر في الأسبوع القادم، نصّين من خارج الحساب.


وبتعبير آخر، فلأنّ نصّ "وعكة روضة" الصّادر يوم الجمعة الماضي 12 سبتمبر، هو النّصّ الثلاثين من الثلاثة والخمسين المنتظرة، ولأنّ هذا اليوم ويوم الجمعة القادم (26 سبتمبر) مخصّصان لنشر هذين النّصّين من خارج الحساب، فإنّ تواصل العدّ سينطلق مع النّصّ الأوّل في الكتاب الجديد الذي سيحمل في السّلسلة العامّة رقم 31، والذي سيتكوّن متنه من 23 حلقة يبدأ نشرها يوم الجمعة 3 أكتوبر، وينتهي يوم الجمعة 6 مارس 2009. لتنتهي "سنتي على جناح السرد" بعون الله، يوم الجمعة 13 مارس 2009. يومها أصدر بيان اختتامها، فأسعى فيه إلى حوصلة هذه التجربة في مجملها وتقييم مرحلتيها كما عشتهما من داخلها واستخلاص ما ينبغي استخلاصه من عبر.


الهكواتي - تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني