الألم والإنشاء عند الهكواتي

لست إلاّ لاعبا

وردت عليّ من الصّديقة الأستاذة سعاد كمّون الشّوك بعض الأسئلة التي وجهتها أيضا إلى عدد من الكتّاب والفنّانين في مثل سبر للآراء حول موضوع الفنّ والألم الذي تستعدّ لكتابة نصّ محاضرة بشأنه استعدادا لأحد الملتقيات العلمية.


الصديقة الأستاذة سعاد كمّون الشوك صاحبة الأسئلة التي يجيب عنها هذا النّصّ

هذه الأسئلة التي صادفت في نفسي هوى، كانت لي حافزا على كتابة هذا النّصّ الذي أرسلته إليها باللّغة الفرنسية التي هي لغة الملتقى المذكور، ثم ترجمته لأنشره باللّغتين على مدوّنة ورشة الهكواتي.
فقراءة ممتعة.

هل الألم ضروريّ للإبداع  ؟
شخصيّا أفضّل، وبخاصّة في العربية، أن أستعمل مصطلح "الإنشاء". ولكن، لتيسير التواصل بيننا، سأسمح لنفسي بتبنّي المصطلح المقترح ضمن الأسئلة المطروحة.
المهمّ هو أنّ هذا بالفعل سؤال حقيقيّ، جوابه رهين المعنى الذي نعطيه لكلمة "إبداع".
بعض "المبدعين" يأخذون صفتهم هذه مأخذ الجدّ. وينتشون بذلك أيّما انتشاء. هم يعتقدون أنّهم إذ يتعاطون "الإبداع" إنما يمارسون سلطة. سلطة الخطير المتميّز باثِّ المعنى، على الحقير المبتذَل متقبِّلِه، سلطة الأستاذ على التلميذ، سلطة الكريم ذي العطاء على الفقير الآخذ ذي اليد السفلى.
إذا لم تُعتبر هذه المقاربة نوعا من العلّة، ولم يُنظر إلى مثل هذا "المبدع" على أنّه يعاني من مرض العظمة، فلا أعتقد أنّ في الأمر أيّ ألم، على الأقل من وجهة نظره.
على الجانب الآخر من المرآة، يعتقد البعض الآخر أنّهم معتلّون يتعاطون بممارستهم "الإبداعية" نوعا من التّطبّب الذّاتي. فالإنشاء بالنسبة إليهم علاج يخفف نوعا من الوجع.
وهنا نلاحظ أنّ "ثمرة" هذا العلاج هي بالفعل نتيجة مباشرة لذلك الألم الذي دفعهم، إنْ تلقائيّا أو بتوصية "طبّيّة، إلى "إبداع شيء ما".
ولكنّ الّسؤال سيصبح متعلّقا بمعرفة ما إذا يمكن لهذا "الشّيء مّا" أن يُعتبر "إبداعا" بمعنى "أثر فنّيّ".
لا شيء أقلّ بداهة من هذا. وإلاّ فإنّ كلّ المرضى والبائسين والمنبوذين على الأرض سيصبحون "مبدعين".
شخصيا، أعتبرني سعيدا إذ لا أنتمي إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. فأنا أعتبر كلا الفريقين من "المبدعين" القصّر. ولكن، قبل الكشف عن مقاربتي الشّخصية لهذه المسألة، دعنا نفكّر قليلا :
هل أنّ الألم محرّك "للإبداع" ؟
نعم، بالتأكيد. ولكن ليس أكثر من الفرح، أو الرّغبة، أو الحبّ، أو الاندهاش، أو الارتياح أو أيّ إحساس آخر محفّز على التّعبير، على إخراج ما يعتمل في النّفس.
هل للعمل الإنشائي "وجه إيجابيّ" وآخر "سلبيّ" ؟


جذور 2014 - لوحة من رسم الهكواتي

شخصيا لا أومن إطلاقا بهذا الاستقطاب الثنائي بين خير وشرّ، سلبي وإيجابي، أبيض وأسود ... ذلك أنّه توجد، بين هذين "القطبين"، آلاف "اللوينات الشّخماء" على مسافة ممتدّة آهلة بالغالبيّة السّاحقة من بنات الفكر.
لماذا إذًا ينبغي أن نركّز اهتمامنا على هاتين النّقطتين القصيّتين اللّتين لا تشكّلان سوى أقلّيّة ؟ هل ينبغي دائما أن نلعب لعبة الوجه أو القفا ؟ لعبة الوج والقفا ؟ لماذا يتعيّن أن نوجِد، في صلب فعل "الإبداع" ذاته، فعل هدم بالمعنى السّلبي للكلمة (لأنّ الهدم من أجل بناء أجود مسألة مختلفة تماما) ؟
إنّ الأثر الفنّي والأدبيّ بعيد كلّ البعد عن أن يكون انعكاسا لمدى ألم منشئه. كما أنّ الشّعراء والرّسامين والفلاسفة والكتّاب وغيرهم، أبعد عن أن يكونوا كلّهم "ملاعين" كما تريد أن توهمنا به الأسطورة التي تتعهدها بكلّ حرفيّة آلات بيع الأحلام "للمستهلكين"، و"الحرفاء" الّذين هم يشكّلون مجتمعنا الجديد حيث الفنّ أضحى "مشيَّئًا ومبضّعا".
وإذ صار الزّمن غير الزّمن، فإنّ "القصص" التي تحاك من عدم حول الممثلين والمغنّين وغيرهم من نجوم الصّناعة السّينمائية والعروض التّجارية، كلّها تندرج في نفس سياق الأسطورة التي كفّت عن أن تقدّم الفنّان "المبدع" لتضع في الواجهة بدلا منه الفنّان الذي يؤدّي "إبداعه".
لا بد من القول هنا إن الفنّان المؤدّي لا يقلّ "إبداعا" للأثر الفنّي عن "مبدعه الأول". ولكن، في مجال الأداء، أقلّ ما يمكن قوله هو إن المسائل تبدو في غاية الوضوح.
فالأمر هنا يتعلّق "باللّعب"، بالتّقليد، بالإيهام بعيش الأحاسيس التي كانت وراء عملية "إبداع" الأثر. ذلك أنّ المؤدّي لا يتألّم بالضّرورة بل يلعب الألم ، وهو ليس سعيدا بالضرورة بل يلعب السّعادة، وهو ليس بالضرورة عاشقا بل يلعب العشق. إنّه، بشكل أو بآخر، يكذب. ولكنّه يكذب بقدر من الجودة، بقدر من الحقيقة، بقدر من الصّدق يجعل الجميع يفهمون أنّه يكذب ويصفّقون لكذبته.
إنّ "مبدع" الأثر الأصليّ، من وجهة نظري وفي ممارستي الشّخصية، ليس أقلّ كذبا. بل أحسن من هذا :
كلما كان هذا "المبدع" واعيا بأنّه لا يعدو أن يكون لاعبا، مؤدّيا، مقلّدا، موهما، كلّما كان "إبداعه" أجود وأصدق وأقرب إلى الحقيقة. وكلّما كان وعيه بهذه البداهة أقلّ كلّما سقط فيما نسميه في المسرح "المبالغة في اللعب". وهو حين يسقط في تلك المبالغة، وقتها، يبدأ ألمه من جرّاء رداءة "إنشائه".
هنا، تنقلب الفرضيّة التي منها انطلقنا رأسا على عقب : "فالإبداع" يصبح مصدرا للألم. ذلك أنّ الأثر الفنّيّ الرّديء هو الذي يسبب الوجع "لمبدعه"، سواء وهو بصدد إنشائه أو بعد ذلك، حين تتّضح نقائص ذلك الأثر فيتلقّاه المتلقّي ببرود أو حتّى بامتعاض.
وحتى ألخّص ما ذهبت إليه أقول :
في اعتقادي أنّ "الإبداع" لعبٌ أو لا يكون. وهذا لا يتعارض بالمرّة مع قولة المسعدي الشّهيرة "الأدب مأساة أو لا يكون". فالمأساوي هو محتوى الأثر الأدبيّ  لا عملية إنشائه. والمتألّمون هم شخوصه لا مبدعوه.
ومن هنا فأنا في ممارستي "الإنشاء" لا آخذني البتّة مأخذ الجدّ، رغم أنّني أتعاطى هذه اللّعبة بكلّ جدّيّة.
ذلك أنّها لعبة تلزمنا بأن نكذب كذبا حقيقيّا، بأن نكذب بصدق، وبأن نؤدّي بنفس الطّريقة مشاعر الفرح والحزن، مشاعر الحبّ والكراهية، مشاعر الخير والشّرّ. إنّها لعبة تتطلّب منّا أن نترجم كلّ هذه المشاعر التي نعيشها أو لا نعيشها، ولكننا نرى البشر من حولنا يعيشونها معنا و/أو بحضورنا. وهي في النّهاية لعبة أذهب إليها تصحبني رغبة عارمة في أن أصيب منها متعة وانتعاشا ولذّة مهما كان الواقع الذي سأعبّر عنه مؤلما أو مقرفا.
ولكن، في هذه اللّعبة، وهذا ما ينبغي التذكير به، ليس لي غير حياتي الشّخصية منبعا أنهل منه كلّ هذه الأحاسيس على تعدّدها واختلافها. وهذا حال كلّ "مبدع" مبادر كان بإنشاء الأثر أو متبنّيا له بالأداء.
وهكذا، فكلّما كانت حياة "المبدع" ثريّة بمشاعر الفرح والفجيعة واللذة والوجع، كلّما كان للأثر الفنّيّ القدرة على استدرار العواطف بما يجعله جديرا بأن يعتبر "إبداعا".
لنعد ختاما إلى السّؤال الذي منه انطلقنا :
وأيّ موقع للألم في كلّ هذا ؟
من بين كلّ الأحاسيس التي ينبغي على "المبدع" أن يكون اختبرها قبل ادعاء القدرة على التّعبير الفنّيّ، يمثّل الألم في اعتقادي أبلغها وأكثرها تأثيرا في "الإبداع". فبدون اختبار هذا الإحساس بالذّات لا يمكننا أن نؤدّي بقيّة الأحاسيس آداء صحيحا. ومن المفارقات أنّ من لم يعش، أو من لم يعتقد جازما أنه عاش ما يعتبره ألما كبيرا، سيكون في نظري عاجزا عن الامتلاء الكامل ولو بشعور الفرح.
الهكواتي
الغزالة في 6 فيفري 2017


Je ne  suis qu’un joueur


Al Hakawaaty, portrait au crayon par le grand artiste algérien Mohamed Boukerch

Faut-il souffrir pour créer ? personnellement, je préfère, en arabe surtout, utiliser le concept de « composition » (INCHA’), mais, pour faciliter la communication entre nous, je vais adopter le concept proposé dans les questions posées.
 L’essentiel est que voici effectivement une vraie question dont la réponse dépend du sens que l’on donne au mot « création ».
Certains « créateurs » prennent très au sérieux ce qualificatif. Ils jubilent. Ce qu’ils croient faire en s’adonnant à la « création », c’est un exercice de pouvoir. Pouvoir de l’important et distingué émetteur de sens sur le minuscule petit récepteur, pouvoir de l’enseignant sur l’élève, du généreux donateur sur le pauvre bénéficiaire.
A moins de considérer cette approche comme une pathologie et de regarder un tel « créateur» comme souffrant d’une maladie de la grandeur, je ne crois pas qu’il y ait, de son point de vue en tout cas, une quelconque souffrance.
De l’autre côté du miroir, certains autres croient plutôt être des patients qui exercent dans leur pratique « créatrice » une sorte d’automédication. Pour eux, la « création » est une thérapie qui apaise une certaine souffrance.
Là, on constate effectivement que « le fruit » de cette thérapie est une conséquence directe de la souffrance qui les a poussés, spontanément ou sur recommandation « médicale », à « créer quelque chose ».
Mais là, la question est de savoir si ce « quelque chose » peut être considéré comme de la « création » dans le sens « œuvre d’art ».
Rien n’est moins évident. Autrement, tous les malades, les misérables et les damnés de la terre seraient des « créateurs ».
Personnellement, j’ai le bonheur de ne faire partie ni des premiers ni des seconds. Pour moi, aussi bien ceux-ci que ceux-là sont des « créateurs » mineurs.
Mais avant de dévoiler mon approche personnelle de cette question,  réfléchissons un peu :  
la souffrance est-elle un moteur pour la « création » ?
Certainement oui ! Mais pas plus que la joie, le désir, l’amour, l’étonnement, la satisfaction ou tout autre sentiment déclencheur d’une volonté de s’exprimer, d’extérioriser des ressentiments.
Le travail « créateur » aurait-il une « face positive » et une autre « négative » ?
Personnellement je ne crois pas du tout à cette bipolarisation entre bien et mal, négatif et positif, blanc et noir…
C’est que, entre ces deux « pôles », existent des milliers de « nuances de gris » sur l’étendue desquelles se situe l’immense majorité des œuvres de l’esprit.
Pourquoi alors faut-il focaliser sur les deux extrêmes qui ne sont qu’exceptions ? Faut-il nécessairement jouer à pile ou face ? A pile et face ? Pourquoi faut-il trouver, au sein même de l’acte de création, un acte de destruction dans le sens négatif du terme (car détruire pour mieux construire est tout à fait autre chose) ?
L’œuvre est loin d’être toujours le reflet du degré de souffrance de
son créateur. Les poètes, peintres, philosophes, écrivains et autres
sont loin d’être tous « maudits » comme le veut ce mythe savamment entretenu par la machine à vendre du rêve aux « consommateurs » et autre « clients » dont est constituée cette nouvelle société où l’art est devenu « chosifié et marchandisé ».
D’ailleurs, les temps ayant changé, les « histoires » créées de toute pièce et tissées autour des acteurs, chanteurs et autres vedettes de l’industrie du cinéma et du showbiz, relèvent de ce même mythe qui a cessé de mettre en valeur l’artiste « créateur » pour mettre en avant à sa place l’artiste interprète de « sa création ».
Il faut dire que l’artiste interprète n’est pas moins « créateur » de l’œuvre initiée par son « primo-créateur ». Mais là, dans l’interprétation, les choses sont, au moins, bien claires :
Ici, il s’agit de « jouer », d’imiter, de faire semblant de vivre les sentiments à l’origine de la « création » de l’œuvre. L’interprète ne souffre pas nécessairement, mais joue la souffrance ; il n’est pas nécessairement heureux, mais joue le bonheur ; il n’est pas nécessairement amoureux, mais joue l’amour. Il ment en quelque sorte ; mais il ment tellement bien, tellement vrai, tellement sincèrement, que tout le monde sait qu’il ment et applaudit son mensonge.

"Crépitement" par Hakawaaty

De mon point de vue, et dans ma pratique personnelle, le « créateur » de l’œuvre initiale n’est pas moins menteur. Mieux : plus il est conscient qu’il ne fait que jouer, interpréter, imiter, faire semblant, meilleure, plus sincère, plus vraie est son œuvre. Et, moins il a conscience de cette évidence et plus il tombe dans ce qu’au théâtre nous appelons « le sur-jeu ». Et c’est quand il tombe dans le sur-jeu qu’il commence à souffrir du fait même de sa mauvaise « création ».
Ici, l’hypothèse de départ est totalement inversée : la « création » serait devenue la source de la souffrance. Une « œuvre » médiocre cause la souffrance de son créateur, aussi bien au moment de sa création que plus tard, lorsque ses insuffisances sont avérées et qu’elle est accueillie froidement, voire avec dégoût par son destinataire.
Pour me résumer : je crois que la « création » est un jeu ou elle n’est point. Et ceci ne contredit en rien la fameuse réplique de Messaadi « la littérature est tragédie ou elle n’est point ». C’est en effet le contenu de la littérature qui est tragique, et pas l’acte de sa création. Ceux qui souffrent, ce sont les personnages dépeints et non leurs "créateurs".
Dans ma pratique de la « composition », je ne me prends pas du tout au sérieux, même si je m’adonne sérieusement à ce jeu.
Car c’est un jeu où l’on doit mentir vrai, sincèrement, où l’on interprète de la même manière la joie et la tristesse, l’amour et la haine, le bien et le mal. Un jeu où l’on traduit tous ces sentiments que nous les ayons vécus ou pas, mais que l’être humain vit quotidiennement avec et/ou devant nous. Un jeu, enfin, auquel je vais avec un désir ardent de me faire du bien, de me faire plaisir aussi déplaisante que puisse être la réalité que je cherche à exprimer.
Dans ce jeu, faut-il le rappeler, je n’ai qu’une seule source où puiser tous ces sentiments si divers : ma propre vie. Et c’est le cas pour tout « créateur », qu’il soit l’initiateur d’une œuvre ou son interprète.
Ainsi, plus la vie du « créateur » est riche de ces sentiments de joie, de peine, de plaisir et de souffrance, plus son œuvre est susceptible d’émouvoir et donc de mériter d’être considérée comme de la « création ».
Revenons pour terminer à notre question de départ :
Et la souffrance dans tout ça ?
Et bien, de toutes les sensations que le « créateur » doit avoir expérimentées avant de pouvoir prétendre s’exprimer artistiquement, je crois que la souffrance est la plus déterminante. C’est elle qui purifie le plus l’âme de l’artiste. Et sans elle toutes les autres sensations ne peuvent être interprétées avec justesse. Paradoxalement, celui qui n’a pas vécu, ou qui n’a pas cru profondément avoir vécu ce qu’il considère comme une grande souffrance, est à mon avis incapable de s’imprégner intensément ne serait-ce que d’un sentiment de joie.

Al Hakawaaty - Salem Labbène

El Ghazala 5/8/2017

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني