إضاءة على الفريد من الشّاعرة نورة عبيد



محظوظ أنا بأصدقائي، وبخاصّة منهم هؤلاء الذين يشرفونني بصحبتهم القريبة، في صالون معابر للقراءة والكتاب مثلا. ومحظوظ هو "الدّيوان الفريد" إذ يولد في كنف هذه الصّحبة.

فمن عاداتنا أن نقرأ لبعضنا، حتى نلاحق الأخطاء المطبعيّة ونقصيها قبل إحالة كتبنا إلى المطابع. ومن ذلك أنّ الدّيوان الفريد حظي بقراءات عديدة، وربّما يحظى بقراءة أخرى أو أكثر في نسخته النّهائية قبل أن نجرؤ على إعطاء الإذن بالطّبع.

هذا هو النّشر كما نريد له أن يكون. وإنّي لشاكر على هذه القراءات المتيقّظة بالخصوص، فضل الأديبة الصّديقة صفيّة قم بن عبد الجليل، والشّاعر الرّوائي الصّديق لطفي الشّابّي الذي قرأ "الفريد" مرّتين في إصلاحين متتاليين ثم ثالثة ليفاجئني بتقديم هديّة سررت لها كما سرّ العميد نور الدّين صمّود، ألا وهي قراءته التّعقيبيّة على هذا الكتاب، التي سأترك للقرّاء اكتشافها مع المقدّمة المندمجة مع العميد والمريد في لعبة الإنشاء، والتي كتبها الأستاذ الصّديق والشّاعر الكبير منصف الوهايبي، مشكورا.



أمّا اليوم، فهذه هديّة أخرى، هديّة جاءت من الصّديقة الشاعرة نورة عبيد، التي كانت حاضرة يوم انقدحت شرارة انطلاق اللعبة بين العميد والمريد بمناسبة تقديمها لمجموع صديقنا المشترك لطفي الشّابّي "نصف قمر على ليل الحديقة"، والتي أرسلتُ لها نسخة من "الدّيوان الفريد" من أجل "القراءة الأخيرة"، فلم تكتف بمطاردة أدقّ الهنات، بل أنشأت نصّا، أبت إلاّ أن تساهم به في الشّهادة على هذه التّجربة قبل أن يصدر الكتاب. وإنّي إذ أشكر لصديقتي نورة عبيد هديتها، لسعيد بأن أنشر نصّها على مدوّنة ورشة الهكواتي.

فإليكم صديقاتي وأصدقائي هذا النّصّ الهديّة، وقراءة ممتعة.


بين "هيكة" و"توسيعة"
ذكرى أمّ بعيدة


أطلعني الصّديق سالم اللّبان على "الدّيوان الفريد" بين صمّود والهكواتي ...
كنت بالمشيئة حاضرة على قادح الحكاية ؛ حكاية الفريد ...

             لك في الدّيوان التّفاصيل، ولي منه في الشّعر شعرا بين عميد و مريد. دعوة للّعب عزفا و نغما،  إذ  شأن الشّعر فيما ذهب إليه الجاحظ و انتسب إليه الشّاعران "في إقامة الوزن وتخيّر اللّفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي صحّة الطّبع وجودة السّبك. فإنّما الشّعر صناعة وضرب من النّسج وجنس من التّصوير."

الشّعر نسج ماعونه صحّة الطّبع و جودة السّبك. شعار اللّعب بين شاعرين من جيلين مختلفين. اللّعب تمّ. آلته بيان الشّعر بتبيين. اللّعب صار حتّى لا تلعب رياح "الهيك العربيّة " برياح "الهيك اليابانيّة"...

"الهيك" ترتيب بميزان... نغمة بنغمة لا تقبل التّسلّط و النّشاز.

لعب الهكواتي سالم اللّبان، وتلعّب حتّى لا تدرس رياح الشّعر بيت الشّعر. فدعا عميدا نظّاما عالما بالوزن و الإعجاز لإقامة الحدّ بين الجدّ والهزل...

الصديقة نورة عبيد في الصورة التذكارية يوم انقدحت شرارة "الديوان الفريد"

"الدّيوان الفريد" إن أشكل عليك، فعليك بمقدّمة للأستاذ الشّاعر منصف الوهايبي تساند اللّعبة بشهادة من لعب. وعليك بتعقيب شاعر قرّاء "لطفي الشّابي"، يعيد بناء التّفاصيل بإيمان من أخلص أن لا خلاص إلاّ بالكلمات.

الحوار – يا من تقرأ – مثاقفة بالشّعر بين "هيك" و "توسيعة"، لقاء شرقيّ شرقيّ يجمع الأقصى بالأبقى. ترديد المعاني المعروضة بالمباني المحفوظة. أوزان "مضغوطة"  تتزيّ بعمود الشّعر و ما فيه من مجزوء و مشطور.

لقاء شاعرين من جيلين مختلفين يبنيان من فصول الهكواتي شعرا عموديّا يأتيه مريد "الهيك"  ويعدل عنه عميد الفصيح.

صحبة توطّدت بشكوى : شكوى اللّبان على لسان نور الدّين صمود:

قد حكى عن كلِّ مَن (ماتوا على)
(ناشر)، يغمطهم (حقًّا) ومالْ

وهْو مَنْ سوّفهم دهرًا ولم
يعطِهِـمْ حقًّا وقد طال المِطالْ

وأقرّ العميد مؤكّدا: أنْ هذا الدّرب درب من أمواله المواعيد.

المواعيد في الفريد أديرت بميقات العصر الإلكترونيّ. له الفضل في تقريب البعيد و لمّ لعاب بلعاب بديار بعيدة عن لعاب الشّمس؛ وهو ما تراه في شدّة الحرّ مثل نسيج العنكبوت، و قيل هو السّراب.  

مثاقفة بين زمني شاعرين، بين دكتور يرفض ليّ "عنكوش" البلاغة وهكواتي يدير الفنّ أنّى بدا "هكّاء"، يعبر جسرا صغيرا أداته "صحّة الطبع"؛ طبع فنّان لا يطلب بأرض الفنّ مستقرّا. عطشان لاجتراح المعاني تخبر بمباني "أنا ابن زماني". ترب للنّدى يسهر للفنّ بالفنّ. طلائعيّ مجرّب مسكون بأشواق الطّفل للّهو و العطر و الطّرب...

مريد يضيّف عميدا. فهيّأ له كلّ مراسم الضّيافة: لباقة وطرافة وسؤالا...

ضيف يلبّي الدّعوة. فنزل خفيفا ظريفا يدير باقتدار ما بقي له من ثقافة الأجيال...

مثاقفة غايتها المباني "مبنى الشّعر" فأتت على المعاني... لك أن ترى فيها ما يشغل التّقاة من الثّقاة، وفيها من حاجة القلب الذّكيّ للنّبض الخفيّ...

لك فيها ما يؤلّف بين الكائنات من إشارات إلهيّة أو شيطانيّة. لك فيها ما كان أصلا و ما بدا فرعا ذاك شأن التّوسيعة يخلفها استطراد. لك فيها روافد ضامنة للأصول... ولعلّ في "الهيك" ما يضمن سحر الفصيح و نوره. لعلّه لعاب النّحل : العسل.

الدّيوان الفريد كما شاء لمنشئيْه أن يسمّيا، فيه نسج و تصوير "بحشيشه وريشه" فافصل أنّى شئت حتّى تتقصّى المفيد.

نورة عبيد

الحمّامات 31 جويلة 2017

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني