مجنون فرح لليلى بوزيد


عودة إلى السّينما

"مجنون فرح" لليلى بوزيد :


الزغاريد أكثر من الكسكسي


للأسف، زغاريد كثيرة، والكسكسي يكاد يكون منعدما. شريط دون العادي رغم الغلاف الاتصالي البرّاق. بين أن تذكر بعض الجمل مما تنشره ويكيبيديا عن الحب العذري والشعر الشهواني، وأن تنفض الغبار عن هذا التراث الأدبي العربي، أشواط لا يتيسر قطعها بوصفات الاتصال التجاري. هذا عدا الوهن الفني والتقني وعتمة الصورة التي لا مبرر لها.



جميل أن تفتح قاعات السينما من جديد، في كنف احترام البروتوكولات الصحية، بعد انقطاع عن النشاط بفعل جائحة الكوفيد 19، تواصل أكثر من سنة ونصف.

وجميل أن تتزامن هذه العودة مع خروج شريط سينمائي تونسي جديد (نسبيا، فهو من انتاج سنة 2020 وقد عرض في عدد من المهرجانات في الخارج) .

"مجنون فرح"، ذاك هو عنوان الشريط الذي خرج الى القاعات التونسية هذا الاربعاء، بعد عرض خاص للصحافيين (الثلاثاء) تبعته حملة إعلامية (أم اتصالية؟) محبوكة بإحكام.

إذ يمكن القول إن المقالات الصّادرة في الصّحف التونسية (الاربعاء والخميس) كانت في أغلبها نسخا متطابقة، حتى لا نغلّب شكنا في أنها مطابقة لاصل مّا، لعله الملف الصّحفي الذي تم توزيعه أثناء العرض الخاص.

تلك، إذَا استحضرنا ما يقول المثل التونسّي، ملفات "الزّغاريد". والزّغاريد تستدعي "الكسكسي"، إذ لا بد من الكسكسي وإلا فما الدّاعي الى الزغاريد؟ فماذا إذًا عن الكسكسي؟

في هذا الشريط، للأسف الشديد، الكسكسي هو ما يكاد يكون منعدما تماما. فلئن كانت المقالات تتحدث عن بحث معمق قد تكون قامت به المخرجة ليلى بوزيد، إعدادا لشريطها، في موضوع الشعر الغزليّ والإيروسي العربي،

ولئن كانت تصور لنا مكانة محورية قد تكون دراسة الأدب العربي، وهذا النّمط من الشعر بالذات، تحتلها في هذا الشريط،

ولئن كانت تقدم لنا فرح، طالبة السربون التونسية بطلة الشريط، المتعلقة بزميلها الفرنسي من أصل جزائري أحمد (والشخصيتان يجسدهما كل من التونسية زبيدة بلحاج عمر والمغربي سامي أوطال بالي)، كفتاة "متحررة"،

فإننا لا نكاد نجد في الشريط أي أثر لتعمّق فعلي في دراسة الموضوع، اللهم إلا إذا كان فتح صفحة انترنت على موقع ويكيبيديا مثلا، يعتبر بحثا معمقا من أجل "نفض الغبار عن الشعر الغزلي والإيروسي العربي"،

كما أننا لا نكاد نلمس للحرية بالمعنى الفكري والسلوكي في بناء شخصية البطلة، سوى حضور باهت سطحيّ الخلفيّة، ولا نكاد نجد أي تأثير مباشر على سير أحداث الشريط، لدروس الأدب العربي التي يتابعها الطالبان المتحابّان في السربون.

 أمّا على الصعيد الفني، فيبدو هذا الشريط مفتقرا لأهم ما يجعل الشريط السينمائي سينمائيا بأتمّ معنى الكلمة، وأقصد هنا جمالية الصورة.

فالصورة هنا تغرق في عتمة تطغى على كامل الشريط تقريبا. عتمة عجز لا عتمة بلاغة، أي أنها عتمة أبعد ما تكون عن الاختيار الفنّي. أمّا الصوت الذي هو تسجيل مباشر أثناء تصوير المشاهد، فهو يشكو بعض الضّعف زادَهُ الإلقاء غير المحكم في مواطن عدة من الشريط وهَنًا على وهن.

 ملاحظة أخيرة : غلاء المعيشة في بلادنا طال السّينما أيضا. حيث قفز سعر التذكرة إلى ثمانية دنانير. نعرف أن الدولة التونسية تتدخل للضغط على أسعار بعض المواد المعدة لغذاء البطن. أما غذاء الفكر والرّوح، أمّا الغذاء الثقافي والحضاري، فهي لا تعترف به...

لا تعترف به تجاه المواطن المستهلك على الأقل، فهي كما نعلم تدعم المنتجين حتى ينتجوا أشرطتهم. على أي أساس؟ العلم لصاحب العلم.  ولكن هذا الشريط لا يبدو أن "مجنون فرح" حظي بدعم من وزارة الثقافة التونسية. إلا ألاّ اكون قرأت الجينيريك جيدا.

وأنّى له، في الواقع، أن يحظى بهذا الدعم وليس له من الانتماء إلى تونس إلا جنسية كل من مخرجته ليلى بوزيد والقائمة بدوره النسائي الأساسي، زبيدة بلحاج عمر.  وكل ما عدا هذين الاسمين فرنسي، من المنتجين الى التقنيين وحتى اللغة.

وللحقيقة فإن المنطق الدّاخلي لبناء الشريط كان يستدعي اللغة الفرنسية. ولكن لماذا ترجمة الحوار الى الدّارجة التونسية؟ (وهنا أتعمد عدم استعمال مصطلح اللغة التونسية الفصيحة) ولماذا اللجوء الى تلك التعابير غير المطابقة لمنطوق الحوار الفرنسي والتي فيها من قلة الذوق المجانية ما لا يرتقى الى الصدمة الفنية المقصودة التي تتميز بها سينما المؤلف الحقيقية؟ سؤال يبقى مطروحا على هذا صنّاع هذا الشريط الذي هو أول فلم تونسي ناطق بالفرنسية مترجم الحوار إلى الدارجة التونسية.


الهكواتي

30 سبتمبر 2021


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني