عار على تونس الثقافة يا حضرة الوزير


عار على تونس الثقافة يا حضرة الوزير
رسالة مفتوحة إلى السّيد وزير الشّؤون الثقافية

(تونس في 9 ديسمبر 2017 – الهكواتي)

حضرة السيد محمّد زين العابدين، وزير الشّؤون الثّقافيّة وصديقي السّابق، فقبلك أصبح عدد محترم من أصدقائي أصدقاء سابقين، أشهرا قليلة بعد تولّيهم مقاليد الوزارة. ربّما كانت صراحتي مزعجة لأصحاب المعالي، منذ عهد ما قبل "أنثى الثّور" التي ما نزال نعيش على وقع هيجانها، واختلاط الحابل بالنّابل بتدبير منها، إلى درجة أنّ مفسدي العهد الذي يدّعون الثّورة عليه، نجحوا بسهولة ملفتة في احتلال نفس المواقع التي كانوا منها يفسدون، ولكن هذه قضية أخرى،،،

لذلك وجب الاعتذار عن هذا الاستطراد والعودة إلى أعلى الفقرة حتى أفتتح رسالتي هكذا: "تحيّة طيّبة، وبعد"،

ففي الوقت الذي شرعتُ فيه أعدّ العدّة لكتابة هذه الرّسالة المفتوحة، من المفروض أن تكونَ حضرتك قد شرعت بعدُ في افتتاح "النّدوة النّقدية حول الشّاعر الكبير نور الدّين صمّود"، الملتئمة في أحد نزل نابل الفاخرة، تكريما لهذا الشّاعر الذي كنت أوّل من دعاه "عميدي" بالصّوت وبالنّثر المرسل وبالشّعر الموقّع على أوزان الخليل. أليس هو عميد الشّعر التّونسي، والعربي ربّما؟

للدّكتور نور الدّين صمّود عندي، يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، مكانة خاصة أدبيّا، وحتّى إنسانيّا، لأسباب أحتفظ بها لنفسي. وأرجو ممّن يخالفني الرّأي والموقف من الرّجل ومن شعره أن يحترم موقفي ورأيي ولا يلومني لعدم رغبتي في خوض أيّ جدال في هذا الموضوع.

فالتّجربة التي كانت لي مع عميدي، الذي عشت مُريدَه ما يزيد عن السّنة وما أزال، أوقفتني على لحظات صدق ندر أن تبادلها شاعران قبلنا، وفتحت بيننا معبر تواصل على درجة من العمق عزّ نظيرها، حتّى أنّني عدت إلى قلم الرّصاص بعد انقطاع طويل لأرسم له، بعد عديد المسودّات، صورته هذه :



ثمّ إنّ الفتح الشّعريّ الذي حقّقناه معا في كواليس "ورشة الهكواتي" كان وما يزال فريدا في تاريخ الشّعر التّونسيّ والعربيّ،  بل ربّما (ودون تواضع زائف هو إلى الوضاعة أقرب، ولست وضيعا) فريدا في تاريخ الأدب العالميّ. وهذا ما جعل جمعيّة "معابر" المغاربيّة المتوسّطيّة للفنون والآداب والتّثاقف، التي أرأسها، تحتفي به وتعدّ له شهادة تكريم فاخرة مبتكرة:



 وتُشكّل وفدا يتحول إلى بيت العميد بقليبية لتسليمها له. وهذه صورة التقطتها أختنا ميلاء ، ابنته، بهاتفها الجوّال:



لذلك، يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، آلمني فعلا أن أرى في بلادي الحبيبة سماسرة الثّقافة، وأقصد تماما ما أقول، ينجحون في ضرب حصار على الصّادقين، وبالذّات على منشئ مُريدٍ أحبّ هذا الأستاذ الجليل بصدق وجلس إليه، وهو من نَحَتَتْهُ السّنون على النّحو الأخلاقيّ والفنّيّ والمعرفيّ الذي أنت به أدرى من غيرك، جلس متتلمذا على يديه، متنافذا معه شعريّا كما لم يتنافذ معه أحد من قبل ولا من بعد، منجزا معه مشروعا ثقافيّا فريدا هو :

الدّيوان الفريد
من شعر العميد والمريد بين هيك وقصيد


نعم يا حضرة الوزير، أقصد ذلك الكتاب الذي أصبحتَ صديقي السّابق، بعد أشهر قليلة من تكرّمك باستقبالي في مكتبك لأحدّثك عنه كتجربة فريدة من المفروض أن تفخر بها بلادنا وترفعها راية تخدم بها صورة تونس الثّقافة. ولكن...

كلّ هذا شأن مضى. الحاضر الذي يهمّنا اليوم، يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، هو هذه "النّدوة النّقدية حول الشّاعر الكبير نور الدّين صمّود"، التي تشرف على افتتاحها في الوقت الذي أكتب لك فيه هذه الرّسالة المفتوحة، والتي علمت بانعقادها اليوم تحت إشرافك، علمت بموعدها من الفايسبوك كما تبيّنه الصّورة التّالية :



يشير السّهم رقم 1 إلى اسم "وسيلة الإعلام" التي نشرت الخبر على صفحتها بالفايسبوك، وهو واضح لا يستدعي تكبيرا.

أمّا السّهم رقم 2 فيشير إلى برنامج النّدوة الذي يتطلّب صورة أوضح حتى يطّلع عليه قرّاء هذه الرّسالة :



لا أريد أن أدلي بأيّ رأي في محتوى هذه النّدوة ولا في منطقيّة تسلسل مداخلاتها وما إلى ذلك من شؤون لا تهمّني. فقط أريد الإشارة إلى أنّ هذه النّدوة تُقصي تماما تلك التّجربة التي ذكرتها لك أعلاه، والتي هي أحدث تجربة، بل أهمّ تجربة شعريّة في حياة عميدنا الأدبيّة على الإطلاق.

وثق، يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، بأنّ تاريخ الأدب العربي، الذي أنا واثق من أنّه لن يقصي الصّادقين مثلما يفعل سماسرة الثّقافة الآن وهنا، سيذكر له هذه التّجربة في طليعة إنجازاته الأدبيّة.

هذا، في الحقيقة، ما آلمني وجعلني أنشر ضمن "تغاريد الهكواتي" تلك الصّورة التي يشير إليها السّهم رقم 3، والتي تتطلّب بالتأكيد تكبيرا يمكّنك من قراءتها:



            أتذكّر أنّني، في شرح هذه الصّورة ضمن ملفّ صوري على الفايسبوك، كتبت تقريبا ما يلي : "من يعرف الجهة التي تخاف من إظهار تجربة هي أحدث وأهمّ ما أنجزه العميد الدّكتور نور الدّين صمّود في حياته الأدبيّة، فليشر إليها بالاسم أو فليلازم الصّمت مثلي. فالصّمت أبلغ، الصّمت أبلغ، الصّمت أبلغ. طاب يومكم".

صحيح أنّني أشّرت على هذه الصّورة بأسماء قرابة 300 من أصدقائي الفايسبوكيين. ولكن، ذلك كلّ ما أردت القيام به من ردود الفعل التي نصحني بعض الأصدقاء بإتيانها ومنها الحضور في "النّدوة" و"مواجهتهم مباشرة أمام الوزير".

فأنا، يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، لست من المتهوّرين الذين يفتعلون الخصومات ويُهاب جانبُهم عند التّلاسن. إنّما أنا رجل مسالم رغم صراحتي وإصراري على "قول الحقّ ولو كان مرّا". حتّى أنّه كان بودّي أن أتجنّب صياغة هذه الرّسالة التي ستطرح المسألة على نطاق أوسع من الفايسبوك وضواحيه، فتفضح ممارسات يريدها أصحابها "تحت ستر الله" كما يقال. ولكن، (انظر تكبير ما يشير إليه السهم رقم 3 هنا):


في نفس السّاعة التي شهدت رابع صديق يؤشّر بالإعجاب على صورة تغريدتي، ها أنّ إدارة الفايسبوك ترسل إليّ إعلاما هو ما يشير إليه السّهم رقم 4،  ومفاده أنّهم حذفوا منشوري لاشتباههم في أنّ محتواه من غير المرغوب فيه. انظر تكبير الصورة ولاحظ تماثل التوقيت هنا:



وبطبيعة الحال، امّحت الصّورة ومعها تعليقي عليها والأسماء التي أشّرت عليها، وأصبح يستحيل عليّ أن أصل إليها. وقد استرشدت قبل أن يخطر ببالي أن أكتب هذه الرّسالة، لأتأكّد من أنّ الذين أشّروا بالإعجاب على الصّورة لم يعودوا قادرين على رؤيتها.

وجاء الجواب قاطعا : ها أنّ الذين نجحوا في إقصاء مشروعي المشترك مع العميد من محتوى "النّدوة العلميّة" المخصّصة لنقد مجمل أعماله، ينجحون أيضا في إخماد صوتي على الفايسبوك رغم أنّني أردته صوتا خافتا، لمجرّد التّعبير عن ألمي. ولكن ...

نسيت أن أقول إنّني تلقّيت على بريدي الألكترونيّ، قبل ذلك، رسالة من إدارة الفايسبوك تخبرني بأنّ صديقا فايسبوكيّا أشّر على اسمي ضمن تدوينة نشرها ليحتفي بالنّدوة المقامة للعميد. وهذه "صورةُ شاشةٍ" للبريد الوارد عليّ :



وإنّني لأعترف، والاعتراف بالحقّ واجب، بأنّني استجبت لطلب الصّديق الفايسبوكيّ فقرأت تدوينته وعلّقت عليها، ولكن... بتلك الصّورة التي لا أشكّ لحظة في أنّها مزعجة... لمن أحسّ بالذنب طبعا.

 كان يمكنه حذفها فقط، ومعه ألف حقّ.
وكان يمكنه الردّ عليها ولو بحدّة، وسيكون معه الحقّ.
وكان يمكنه أيضا أن يرسل ردّه في خطاب خاصّ يبرّر فيه حذف تعليقي.

أمّا أن يصل ردّ فعله (هو؟) إلى مستوى رفع الأمر إلى إدارة الفايسبوك للادعاء عليّ بنشر صور وتدوينات غير مرغوب فيها اجتماعيّا في المطلق، ما يقنع هذه الإدارة المعلوماتيّة بحذف ذلك المحتوى، فهذا عمل لا يمكن أن يكون إلاّ تنفيذا لتعليمات من متنفّذ أو اكثر، مسّتهم الصّورة في الصّميم، لإحساسهم بأنّهم معنيّون بخطابها قبل غيرهم، وفي ما تندّد به صورتي متورّطون، إن مباشرة أو بالمشاركة أو بالصّمت على الحقّ الذي يعلمون.

*****

إلى هنا ينتهي سرد الوقائع، ولكن، ما الدّاعي إلى كتابة رسالة مفتوحة إلى الوزير، والأمر شأن فايسبوكيّ صرف ؟

هنا يتعيّن الغوص في خطاب التّغريدة الذي كان موجّها إلى أطراف ثلاثة:

أوّلها من أسميتهم، قاصدا تماما ما أقول، "بسماسرة الثّقافة". أولئك الذين يعملون على تهميش المثقّفين الصّادقين. وهذا شأن يهمّ وزير الثّقافة في المقام الأوّل. فنجاحهم في خنق الطّاقات الخلاّقة وإقصاء القادرين على الفعل الثّقافيّ الصّادق البنّاء، أصبح أكثر من لافت، بما يشكّل عارا على تونس الثّقافة ويفرض تدخّلا عاجلا لوضع حدّ لاستشراء الفساد في السّاحة الثّقافيّة عامّة، وحتّى ضمن دواليب الوزارة ذاتها.

وثانيها كلّ ذي علم يهمّه شأن الشّعر التّونسيّ، وكلّ طرف منظم لمثل هذه النّدوة النّقديّة التّكريميّة، التي تدّعي السّعي إلى الاحتفاء بكبار المنشئين في حياتهم. فمن المفروض أن تتحمّل هذه الأطراف مسؤوليّة الإحاطة بكلّ إنجازات كبار الشّعراء من أمثال العميد نور الدّين صمّود حتّى لا يهضم لهم جانب ولا ينسى لهم إنجاز. وهذا أيضا من أنظار وزارة الثّقافة بوصفها الطّرف المنظّم لتظاهرة اليوم مباشرة، بدليل إشرافك بوصفك الوزير على افتتاحها.  ذلك أنّ ما وقع في وضع برنامج هذه النّدوة، يعدّ تقصيرا في حقّ إنجازات المحتفى به قبل أن يكون تقصيرا في حقّ الطّرف الذي عملت جهات معروفة على إقصائه.

أمّا الطّرف الثّالث فهو هياكل وزارة الثّقافة التي أرى أنّ من أسميتهم "بسماسرة الثّقافة" قد "وضعوها خاتما في بنصر". وها أنا أتحمّل مسؤوليتي كاملة في القول إنّ هذه الأطراف التي تبدو خفيّة في تحريكها لكلّ خيوط اللعبة التي تديرها هذه الهياكل، يمكن لكلّ مسؤول في قطاعه أو جهته أن يضبط قائمة اسميّة فيها. والكلّ يعلم أنّها أصبحت تشلّ حركة كلّ الهياكل السّاهرة على تنفيذ السّياسة الثّقافية، بقطع النّظر عن وجود خطّة سياسيّة واضحة للنّهوض بالثقافة في بلادنا من عدمه. فإمّا أن يخدم المسؤول مصالح هذه المافيا أو أنّه لن يقدر على أيّ تحرّك في السّاحة الثّقافيّة الموكل إليه الفعل فيها.

ومَنْ غيرُ الوزير يتحمّل مسؤوليّة التّعجيل بالوقوف إلى جانب منظوريه لمؤازرتهم عندما يُعلمونه بما يتعرّضون له من ضغوط والاستماع إليهم عندما يرفعون إليه ملفّات الفساد المتراكمة؟

لهذا، يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، أرى أنّ موضوع رسالتي هذه يتجاوز مجرّد التّظلّم أو الشّكوى من الإقصاء الذي تعوّدت عليه من عقود طويلة، لتصبح قياما صريحا وعلنيّا بواجب الإشعار، بعد كلّ الخطابات والتّلميحات التي لم أبخل بها عليك ضمن نافذة تواصلنا الخاصّ على الفايسبوك، كما لم أبخل بها على الذين سبقوك من أصدقائي.

ختاما، لعلّ هذه الرّسالة المفتوحة أن تكون آخر خطاب يصدر عنّي قبل أن أفقد كلّ أمل في قدرة السّياسيّين والمثقّفين التّونسيّن على إصلاح هذه السّاحة الثّقافيّة،  وأن أتّخذ قرارا قد يصبح وصمة عار في جبين تونس الثّقافة.

لا تخف يا حضرة الوزير وصديقي السّابق، فحاشى أن يكون هذا تهديد بأيّ نوع من الأذى لأيّ جهة كانت. فأنا فنّان منشئ أصيل، مسالم، صاحب مشروع ثقافيّ أصيل، مسالم، ولي قلم اتّصاليّ وأدبيّ حقيقيّ ينضح حبّا للبلاد وللعباد، ويتسامى عن خدمة مصالحي الشّخصيّة. صحيح أنّه يحفر في العمق كلّما وجب الحفر، ولكن من أجل البناء، خلافا للذين تعرفهم جيّدا ممّن يستعملون أقلامهم لمشاغبة المسؤولين السّياسيّين، كي يقبلوا مقايضة صمتهم وكفّ أذاهم عنهم، بامتيازات مالية أو عينيّة يمكنونهم منها، مثل الحصول على دعم لمشاريع ثقافيّة وهميّة أو على تكليف بتنظيم تظاهرات كلّ أهدافهم منها الحصول على نصيب الأسد من عائداتها المادّيّة والمعنويّة.

مع تحيّات صديقك السّابق

الهكواتي



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني