الهكواتي في الصّالون الثقافي "الشجرة" بأكودة

الهكواتي في الصّالون الثقافي "الشجرة" بأكودة

قصيدتان لتحية دموع الكرام

كانت لي مساء الأحد 26 نوفمبر 2017، مساهمة متواضعة في أمسية ثقافية من نوع راق، أرى من واجبي أن أنوّه بمن أقامها وسهر على تنظيمها ودعاني إليها.
هذه الأمسية كانت تندرج في برنامج الصّالون الثقافي "الشّجرة" بأكودة، الذي ينتظم في دورته السّابعة عشرة، والذي يشكل تظاهرة ذات فرادة في المشهد الثّقافي التّونسي، بحكم الفضاء الذي تعود على احتضانها، ألا وهو بيوت مواطني مدينة أكودة العريقة في الفعل الثّقافي منذ القدم. أليست المدينة التي أنجبت أحد روّاد المسرح التّونسي الشيخ إبراهيم الأكّودي وأحد روّاد حركة الإصلاح وتحرير المرأة في تونس الشيخ سالم بن حميدة، وغيرهما ؟



نعم، هي "الثقافة تطرق أبواب البيوت"، كما يقول أحد أبرز محرّكي هذه التظاهرة، والسّاهر على تنشيطها، الشّاعر جلال بابي، أو هي الثّقافة تغزو البيوت (كما يلذّ لي أّن أعقّب على قوله) ولا تنتظر أن يدعمها داعم، ولا حتى السّلط المسؤولة على تنشيط الحياة الثّقافية على الصّعيدين المحلّي والوطني.

هي تظاهرة تقوم على التّطوّع من أجل حراك ثقافي تسهر على تنظيمه جمعية مدنية يقوم عليها عدد من المتحمسين للفعل الثقافي الملتصق بالنّاس، الساعي إليهم حيث هم متواجدون. متطوعون للتّنظيم، متطوعون للاستقبال في بيوتهم بحفاوة وكرم لافتين، ومتطوعون لتلبية دعوة هؤلاء وأولئك، مساهمة منهم بإنشائهم الفكريّ والفنّي، من التّنشيط، إلى المحاضرة، إلى القراءات الشّعرية، إلى العزف والغناء.



لقد سعدت فعلا بلقاء الجميع بداية من السّيدة أمال سوقير صاحبة البيت الذي احتضن الأمسية والشّاعر جلال باباي الذي سهر على تنشيطها، والذي أهداني مشكورا إصداره الأخير "الأصوات تنفذ إلى مآقي الماء"، إلى الزّميلة الصّحافية والشّاعرة فتحية جلاّد، التي قرأت علينا من شعرها، إلى الدكتور الموسيقار النّاصر خليفة، الذي عزف من ألحانه وغنّى فأطرب، إلى كل الحضور والمساهمين (وأعتذر عن عدم ذكري كلّ الأسماء).



ولكنّني سعدت بالخصوص بمفاجأة "من العيار العتيق" جعلتني ألتقي زميلا عزيزا وصديقا لم أره منذ سنوات طوال وهو الصّحافي والكاتب الأستاذ الصّحراوي قمعون، ابن هذه المدينة وأحد داعمي هذا المشروع الذي هبّ لاستقبالي بكلّ حفاوة، وجاورني على مدى الأمسية كما أهداني، مشكورا، كتابه الأخير "الإسلام وتحرير المرأة: معركة الشّيخ المصلح سالم بن حميدة". دون أن أنسى طبعا صديقي المسرحي رضا بوقدّيدة الذي خصني بنفس الحفاوة والذي كانت لي معه في الأشهر الماضية لقاءات قريبة نسبيا.



على ذكر المرأة وتحرير المرأة وضرورة الاعتراف بمكانة المرأة ودورها، بداية بهذا الذي رأيته منها في السّهر على حظوظ الجمعية المنظمة والمساهمة في الأمسية بالتنشيط والمحاضرة والإعلام والتّوثيق والإشراف على مختلف الأنشطة الموازية لها، يطيب لي أن أتوقّف عند مصطلح ذكره الشّاعر جلال باباي عند تقديمه إحدى زميلاته في تنشيط الحفل وثنائه عليها بنعتها "بالمرأة الحديدية".

ما رأيته هو أنّ كلّ المساهمات في هذه الأمسية، وقد كنّ يمثّلن غالبية الحضور وغالبية المتداولين على تناول الكلمة، هنّ من النّساء الحديديّات في عزمهنّ وثاقب فكرهنّ وصلابة إيمانهنّ بالفعل الثقافي الجادّ، ولكنّهنّ كنّ من رهافة الحسّ وسلامة الذّوق ورقّة العواطف وجودة الاستماع إلى ضيوف التّظاهرة على درجة كادت تبكيني وأنا ألقي على الحضور من ما تيسر من نصوصي الشّعريّة.



فإليهنّ أوّلا، وإلى بقية الحضور طبعا، أهدي هاتين القصيدتين اللتين  وجدتا لديهنّ صدى خاصّا جعلهنّ يطلبن اقتناء الإصدار الذي يحويهما والذي لم يصدر بعد، إذ أنّهما مستمدّتان من "الدّيوان الفريد" الذي ما يزال تحت الطّبع.

القصيدة الأولى :

بأبي امرأة

بِأَبِي امْرَأَةٌ تَجْرِي خَلْفَ الوَقْتْ
تُودِعُ فِي مِحْضَنَةِ الحَيِّ رَضِيعًا دُونَ العَامْ
 ثُمَّ تُوَدِّعُ طِفْلًا أَكْبَرَ عِنْدَ "سَتِي أَحْلَامْ"
وَتَفِرُّ سَرِيعًا لِمُصَارَعَةِ الأَيَّامْ

بِأَبِي امْرَأَةٌ تَحْمِلُ كُومَ حَطَبْ
وَلَهَا فِيهِ أَرَبْ
تَحْنِي الظَّهْرَ وَتَكْدَحُ دُونَ صَخَبْ
أَمَّا البَعْلُ ... فَيَرْكَبُهَا وَيَنَامْ

بِأَبِي امْرَأَةٌ فِي المَطْبَخِ صَيْفًا وَشِتَاءْ
... شُغْلٌ ثَانٍ فِي الأَثْنَاءْ
فَلَهَا فِي الدَّاخِلِ تَدْبِيرْ
وَلَهَا فِي الخَارِجِ تَوْقٌ وَطُمُوحْ
وَزَمِيلٌ مِنْهَا مُغْتَاظْ :
كَيْفَ تَفُوقُهُ وَهْوَ الفَحْلْ ؟
مَعَهُ الحَقّْ
وَلَهُ السَّبْقْ
لَيْسَ بِفَائِضِ عِلْمٍ أَوْ بِتَعَبْ
لَكِنْ بِاسْمِ الجِنْسِ وَطُولِ شَنَبْ

بِأَبِي امْرَأَةٌ وَجْهُ فَلَاحْ
خَطَفَتْ قَصْبَ السَّبْقِ بِفَضْلِ كِفَاحْ
وَلَهَا حُقَّ عَلَيْنَا القَوْلْ :
لَأَنْتِ الحَلّْ
تُونِسُ تَحْتَاجُ الإِيثَارَ وَحُبَّ النَّاسِ النَّاسْ
وَلَيْسَ سِوَاكِ، وَقَدْ صَدَقَ الإِحْسَاسْ
دَرْبٌ فِيهِ خَلَاصُ الكُلْ

الهكواتي - الغزالة 23/10/2016



القصيدة الثانية :

نور أمّي

فِي السَّمَا أُمِّي اسْتَقَرَّتْ
عَالِيًا أَبْعَدَ مِنْ كُلِّ نُجُومِي وَغُيُومِي
عَالِيًا أَبْعَدَ مِنْ حُزْنِي عَلَيْهَا وَهُمُومِي
وَأَطَلَّتْ مِنْ عُلَاهَا
شَمْعَةً تُسْرَجُ فِي لَيْلِ ضُنَاهَا(*)
فَتُضِيءُ العَائِدَاتْ
ذِكْرَيَاتٍ 
دَافِقَاتٍ
كَعُيُونٍ نَابِعَاتْ
مِنْ سُكُونِ اللَّيْلِ حَيْثُ انْطَفَأَتْ كُلُّ الشُّمُوعْ
مَا عَدَا شَمْعَةُ أُمِّي
ضَوْءُ أُمِّي عِطْرُ أُمِّي طَيْفُ أُمِّي
حَاضِرٌ فِي خَاطِرِي، حِذْوِي، مَعِي،،، حَتَّى إِذَا فَتَّحْتُ عَيْنِي
لَمْ أُصَدِّقْ أَنَّنِي فِي وِحْدَتِي بَيْنِي وَبَيْنِي
وَمَعِي يُتْمِي وَحُزْنِي
****
(*)ضنت المرأة تضنو وتضني كثر وَلَدُها. الضِّنْوُ الوَلَدُ والضُنَى الأولاد.
الهكواتي - الغزالة 23/11/2016



ختاما، هذه بعض الصّور التي مدتني بها مشكورة صاحبة البيت السيدة آمال سوقير والتي أرجو أن تترجم تلك الأجواء الراقية التي دارت فيها الأمسية وأن تظهر فيها كلّ الوجوه التي ساهمت في اثراء محتواها الثقافي.

مع مودتي الخالصة

الهكواتي


































تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني