حضر الموت وغاب عنقود العنب

في وداع يحيى محمد
حضر الموت وغاب عنقود العنب

صديقي وأخي الأكبر يحيى محمد، سلاما عليك حيث أودعناك منذ حين بمقبرة الجلاز وبعد،



بالأمس القريب، كنتُ شاهدا عليك وأنت تصرّ على فرض حضور "نادي القصّة أبو القاسم الشّابّي" في هذه المقبرة بالذّات لتأبين عضو النّادي، الأديب الصّديق سمير العيّادي، وذلك رغم حضور ممثل عن وزارة الثقافة لتأبينه (ولعله الوزير نفسه، فقد طال عليّ العهد)
بالأمس القريب كنتُ شاهدا على تحمّلك عديد المسؤوليات تطوعا وفناء في خدمة البلاد وأبناء البلاد. ولعل أبرز هذه المسؤوليات رئاستك نادي القصة ورئاستك الجامعة التونسية لمسرح الهواة حيث أعطيت كثيرا ولم تأخذ شيئا.
بالأمس القريب جدّا استقبلتَني في بيتك بحي ابن خلدون واستمعتُ إليك تحدّثني أمام الكامرا عن ذكريات وأحداث لمست من خلال شهادتك عليها مدى وفائك "لعائلتك الأدبية" التي تركها الأديب العروسي المطوي أمانة في عنقك، وحرصك على إعطاء صورة مشرقة عنها رغم كلّ ما تعلمه ولا فائدة من ذكره هنا.
واليوم كنتُ شاهدا على هذه "العائلة الأدبيّة" ... على "أولاد الحومة" وهم، في اكتفائهم بذلك الحضور الباهت، شبه متنكّرين "لأخيهم الأكبر". لا أحد منهم سعى لدي وزارة الثّقافة كي ترسل ممثلا عنها ليقول كلمة خير فيك لا ليكتفي بحضور شخصيّ كما فعل من حضر.
فهل تناسى الجميع أنّك أعطيت خيرا كثيرا، وقلت كلمات خير كثيرة ؟
ثمّ لا أحد منهم (أولاد الحومة) تقدم ولو ليقول كلمة مرتجلة، اعترافا بجميلك على أشخاصهم وعلى هذا النّادي.
الصمت أسلم ... ولكن
لكم آلمني هذا الموت السّريري الذي رسب فيه "نادي القصّة".
بعد أن آلمني، أدبيّا، خواؤه من كلّ نفس شابّ يمكن أن يحمل المشعل ويواصل، هاهو يؤلمني أخلاقيّا بنسيانه القيام بالواجب أو، ربّما بإعراضه عن هذا الواجب أصلا.
ولعلّ هذا الألم، يا أخي الأكبر وصديقي، أشدّ من ألم فراقك.
نعم، هو بالتّأكيد أشدّ.
لأنّ لي في فراقك عزاء. هو أنّني أعرف أنّ روحك الطّيّبة الكريمة قد تحررت من ذلك الجسد الذي صار يرهقها أكثر مما تحتمل.
أمّا ألم "المواسم الخرساء" التي استطابها "أولاد الحومة" (1) فأسلموك إليها، فهو يدفعني إلى طرح السّؤال عليك :
ألا تخجل، الآن وأنت تحت الثرى، من حلمك طيلة حياتك "بعنقود الدّوعاجي" بعد أن استخسرت فيك "عائلتك الأدبية" مجرد عنبة ؟
رحمك الله أخي الأكبر وصديقي يحيى محمد، وصبّرني على الحلم ولو بمجرد حضور من يقف على قبرى ليقرأ الفاتحة.

أخوك الهكواتي
تونس 2 مارس 2017
****

(1)           الحومة المقصودة هي حومة الورديّة حيث نادي القصة ولكن "مواسم خرساء" و"أولاد الحومة" مؤلّفان من عديد الأعمال التي أثرى بها يحيى محمد المكتبة السّردية التونسية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني