كلاب الجحيم

حول رواية: كلاب الجحيم، لإبراهيم درغوثي
بقلم الأديبة صفية قم بن عبد الجليل

يطيب لمدونة ورشة الهكواتي أن تستضيف اليوم هذا النّصّ للصديقة الأديبة صفية قم بن عبد الجليل.
هذا النشر الاستثنائي استوجبته حادثة رقابية ليس لي أن أخوض في تفاصيلها ولا أن أعلق عليها. فقط أجيب عليها عمليّا بنشر هذا النصّ على مدونتي والعمل على توزيعه بالتقاسم على الفايسبوك وحيثما أمكن على الانترنت.
ولا يسعني بالمناسبة إلا أن أغتنم الفرصة لتهنئة الصديق ابراهيم الدرغوثي على إصداره الجديد في انتظار قراءته. تحياتي للجميع.

                                                                                                                 الهكواتي

وصلتني رواية الصّديق، الأديب إبراهيم الدرغوثي، هديّة منه، مشكورا: " كلاب الجحيم "، الصّادرة عن دار زينب للنّشر، في طبعتها الأولى 2016.
قرأتُ الرّواية ذات 117 صفحة من الحجم المتوسّط، والمذيّلة بتاريخ إنهاء تحريرها ومكانه: أمّ العرايس، قفصة، 19 جويلية 2014.

وجدتُ في الرّواية تجربة جديدة مختلفة عن كتابات الأديب إبراهيم الدرغوثي الّتي قرأتها، إذ اقتبس في كتابتها الكثير من أسلوب المقامة وجعل " الرّاوي " السّارد الأهمّ للأحداث وغيرها؛ وقسّمها إلى 39 " فصلا قصيرا" أو جزءا وخصّ كلّ جزء بعنوان اصطفاه اصطفاءً يبعث على التشويق والرّغبة الملحّة في مواصلة القراءة.

تتنزّل أحداث الرّواية، مراوحة واستباقا واستذكارا في ما يُعرَف بمجازر الحوض المنجميّ 2008 وتداعياتها. أمّا الأشخاص والشّخوص فمنهم من ذُكروا بأسمائهم الحقيقيّة المعروفة ومنهم من اخترعهم المؤلّف اختراعا مخصوصا من محض الخيال المنبجس من ثقافة معتّقة شاسعة، ومنهم من استعاره من عالم الجنّ والشّياطين والملائكة... وكذا الأمكنة والأزمنة، فمنها ما هو واقع معلوم ومنها ما هو خارج الأطر والمدارات البشريّة المعروفة... فجاء طرح القضايا على ما فيها من وجع إنسانيّ ضروس فانتستيكيّا خرافيّا ممتعا حدّ الغرابة والدّهشة. وهل ينكر من عاش وعاين أحداث الحوض المنجميّ فظاعتها  وضراوتها؟ أليست شبيهة بما يحدث في الخرافات والأساطير القديمة؟؟؟

لا شكّ أنّ الرّوائيّ إبراهيم درغوثي قد اختار هذا المنحى عن وعي وقصد، إلّا إذا كان قد كتب الرواية قبل " الثورة" فاضطرّ إلى التورية والمخاتلة. أمّا وقد ذكر تاريخ إنهاء الكتابة: 19 جويلية 2014 أي بعد " الثورة " الّتي من أهمّ منجزاتها حريّة التفكير والتعبير، فلمَ التورية والتخفّي والتورية، ولمَ لا يسمي الأشخاص والأشياء بمسمَّياتها؟

إنّه اختيار واع شكلا ومضمونا، تأصيلا لثقافة قديمة معتّقة تشبّع بها المؤلّف ووظّفها توظيفا جماليّا لمعالجة قضايا اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة وفكريّة معاصرة صارخة موجعة، كان شاهدا عليها.

وحده العنوان:" كلاب الجحيم " كفيل بأن يشي بشراسة مجازر الحوض المنجميّ وفظاعة تواطؤ الكلاب البشريّة من ساسة وبوليس ومخابرات وإعلام وقضاء... ليجعلوا من أراضي الفسفاط، مدنا وقرى وأريافا ومناجم جحيما ولعنة ومن أهلها وقودا ففحما  لتلك المحرقة.

الرّواية موجعة على قدر ما هي ممتعة، بلغتها وأساليبها وبنائها: لغة الأوّلين، لغة متشبّعة باقتباسات من القرآن الكريم ومتضمّنة روح بلاغته ومتواشجة، تناصا مع تراث عربيّ ثريّ شعرا ونثرا...

تهانيّ للصّديق المبدع: إبراهيم درغوثي بهذا الإصدار الجديد. لقد أضفت لمسيرتك الإبداعيّة تجربة جديدة أخرى، يتواشج فيها الواقع والخرافة الفنتستيكيّة، كما أهديت المكتبة السرديّة رواية جديرة بالقراءة والمدارسة النقديّة.
شكرا لك موصولا، مع خالص الودّ والتقدير.

صفية قم بن عبد الجليل


مساكن، في 22 أفريل 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني