سنة تحدّ جديد : "نوارس الروايات الخمس"

افتتاحية   "نوارس الرّوايات الخمس"

في مثل هذا اليوم (8 فيفري) من سنة 2004، نشرت على موقعي الشخصي (الجسر الصغير) وعلى صفحة مجموعة "الكتابة بحرّية" على موقع ياهو (بالفرنسية)، إعلان الشروع في رفع تحدي "سنتي في الهيك" التي نتج عنها (ممّا أعلن انتماءه لورشة الهكواتي) كتيب جماعي نشر ورقيا في أوكرانيا بعنوان "الهيك حوار تثاقفي". حصلت لي في نهاية التجربة أربع مجاميع من الهيك باللغتين العربية والفرنسية نشرتها تحت عنوان موحّد : "فصولي الأربعة".

وفي مثل هذه الفترة من سنة 2008، تلوت على روّاد نادي القصة "أبو القاسم الشّابّي"، بيان "سنتي على جناح السرد" ونشرته على المدونة التي أنتم الآن فيها مبحرون. حصدت في أعقاب السنة، ما نشرته ورقيا في دار الجسر الصّغير : "عنقود حكايا" (31 نصا سرديا قصيرا) و"بوصلة سيدي النّا..." (رواية). ومازال بعض نصوص تلك التجربة ينتظر الظهور على الورق(ويمكن الاطلاع على كل نصوص التجربة في أرشيف هذه المدونة بالذات).

اليوم السبت 8 فيفري 2014، يطيب لي أن أعلن في هذه الافتتاحية مشروعا جديدا أواصل عبره التجريب في مجال الكتابة التحدّي، ولكن هذه المرة، بعد أن تسنى لي تأسيس دار الجسر الصّغير للنشر، حيث سبق أن أثمر العمل الورشويّ رواية "المائت" للأستاذ لطفي الشّابّي، وبعد أن وفّقت ثلة من المؤمنين معي بمشروع تكامل الآداب والفنون، في تحويل مجموعة الجسر الصغير للبحوث الموسيقية والمشهدية التي تأسست منذ سنة 2002، إلى جمعية قانونية تحمل اسم "معابر" (الجمعية التونسية للفنون والآداب والتّثاقف المغاربي المتوسطي).

اليوم، أعلن أنني لم أعد أواصل التجريب بمفردي. وأنني أعمل رفقة عدد من الصّديقات والأصدقاء، التزموا برفع التحدّي معي وقبلوا بأن ينتظموا في ورشة لنقتسم معا تجربة متواضعة في الكتابة وفي إقامة ورشات للإنشاء الأدبي، وجميعنا مؤمنون بضرورة إرساء تقاليد الحرفية في الإنشاء الأدبي بدلا من إمعان هذه الممارسة في الخضوع إلى النّزوة والاكتفاء بالهامش وبما يتوفر من أوقات الفراغ.

اليوم أعلن ومعي صديقاتي وأصدقائي الممضون معي أسفل هذه الافتتاحية، نبيهة العيسي، وإيمان حسيون، وعفاف الشتيوي، ومعاوية الفرجاني ولطفي الشّابّي، عن تشكيل فريق متجانس مؤمن بالانخراط في مغامرة رفع تحدّي الكتابة المنتظمة والإنشاء تحت ضغط الزمن، تسندنا خلية "معابر" للتكوين والتربّصات، هيكلا ينظم برنامج عمل ورشتنا، ويسهل ما يلزم من تنقلاتنا ولقاءاتنا وتواصلنا الافتراضي، ويعمل جميعنا في صلبه بشكل تطوّعي إفادة واستفادة من أجل إنجاح مغامرتنا الثقافية هذه. وتراهن على نجاح تجربتنا دار الجسر الصغير للنشر ملتزمة بنشر ما ينتج عن ورشتنا هذه من كتب فور اكتمالها.

اليوم ، بعد إعداد تواصل بضع أشهر، وبعد اجتماع ختامي احتضنه المركب الثقافي لمدينة المنستير، استعرضنا فيه الخطوط العريضة لمشاريعنا الإنشائية، واطلعنا على خطّة العمل التي نعتمدها منطلقا ومنهجا وأجندة مسبقة لأشغال ورشتنا،  نعلن التزام كل منّا بتنفيذ مشروعه الذاتي المتمثل في إنجاز نص رواية متكاملة بعد سنة من يومنا هذا. كل يلتزم بالاطلاع على أعمال بقية أعضاء الورشة ومناقشتها وإبداء الرأي فيها في نفس الوقت الذي يعرض فيه عليهم نتائج عمله وهو بصدد إنجازه. كلّ ينصت إلى ملاحظات بقية الفريق ونصائحهم، ويتقاسم مع الجميع محفّزات الإنشاء، ويطرح قضايا تقنيات الكتابة وأسئلتها الحارقة في اجتماعات تراوح بين التواصل الافتراضي واللقاءات والميدانية المباشرة.

قد يتبادر إلى بعض الأذهان أننا بهذه الورشة نروم إنشاء نصوص روائية متناسخة، متشابهة بشكل آلي، لا اختلاف بينها ولا بصمة فيها لكتّابها. نصوص منسوجة على نماذج موحدة جاهزة كحال الأفلام البوليسية أو أفلام "الوسترن سباغيتي".

وقد يرى البعض الآخر أنّ النّصوص التي ستنتجها هذه الورشة لن تزيد عن كونها استجابة لطلب ناشر، أو تقليدا لمنهج وأسلوب منشط ورشة تفتقد معه في النهاية تلقائية الكتابة وتغيب تلك الفلتات التي تجعل من الفنّ فنّا شخصيّا ذاتيّا ساحرا لا يتقيد بمرجع ولا يستند إلى عكّاز شيخ طريقة.

وجوابنا أنّ العكس تماما هو الصّحيح. فورشة الهكواتي ما كانت لترى النّور إلاّ استنادا إلى ملاحظة ثغرات ثلاث أساسية، تشكو منها غالبية تجاربنا الأدبية التونسية :

أولى هذه الثغرات تتمثل في أن ممارستنا الإنشاء الأدبي ما تزال خاضعة، إلا فيما ندر، إلى النّزوة الشخصية والهواية بمعناها المتنصّل من كل الضّوابط والالتزامات على كل الأصعدة، وخاصة منها صعيد الوقت المخصص لها في برنامج النشاط اليومي للمنشئ.

فهي غالبا ما تُتّخذ وسيلة للاستراحة من أعباء الواجبات المهنية أو الدراسية أو الاجتماعية بما فيها الأنشطة الجمعياتية وغيرها. وهذه المقاربة لا تؤثر على كمّية إنتاج كل منشئ ولا على انتظام عطائه الأدبي فقط، ولكنها في الغالب الأعم تورثه السهو عن الأخذ بناصية فنّه أيضا.

والثغرة الثانية التي قد تكون نابعة من الأولى، تتمثل في كون عدد لا بأس به من ذوي الكتب الأدبية المنشورة لم يتفطّن بعد إلى كون الكتابة مهنة لها تقنياتها، أو لعله لم يقتنع بأنّها صنعة لها أسرارها، وبأنّ معرفة هذه التقنيات وهذه الأسرار ضرورية لممارسة كلّ أنواع الإنشاء، أيّا كانت الأساليب التي يميل إليها المنشئ ويختارها للتّميز بها عن غيره. وهي معارف يمكن، بل ينبغي، اكتسابها قبل التمكن من تطويعها لخصوصيات الذّات المنشئة وقبل الإقدام دون مركبات على الانتصاب في الساحة الإنشائية أديبا.

أمّا الثّالثة، فتتمثل في انعدام الرّغبة عند من اكتسب هذه الصّنعة أو بعضها في إفشاء أسرارها وإفادة غيره من المنشئين تلقائيا بما يعرف منها، (أو انعدام القدرة على ذلك ربّما). بل أكثر من ذلك، هناك عند غالبية المقبلين على ممارسة الإنشاء، إعراض عن تلقّي مثل هذه التقنيات والأسرار بشكل واضح وصريح من منشئين معترف لهم بالعلم والتجربة.

كل هذا في غياب مادّة ضمن برامجنا الدراسية في مختلف المستويات تفصّل هذه التقنيات وتدرّب الرّاغبين في ممارسة الإنشاء على ما ينبغي امتلاكه من مهارات للأخذ بناصيتها. وكأنّه يفترض في في كل منشئ أن يصنع نفسه بنفسه، وكأن اكتساب هذه المعارف شأن طبيعيّ غريزيّ، تماما كبناء الشّخصية الذاتية في الحياة الاجتماعية.

في هذا التوق إلى التجديد يتنزل اجتماعنا أفرادا، ويندرج عملجمعيتنا معابر وخلية التكوين والتربصات التي تشكّل واحدة من ركائزها الأربع. ومن هذا الهاجس ينبثق انخراط دار الجسر الصغير للنشر في هذه المغامرة التي كانت من صلب أهدافها من يوم إنشائها. إذ هي تعمل بمنطق الجمعية أكثر من عملها بمنطق المؤسسة التجارية.

وختاما، هكذا نريد عمل ورشتنا، لا أكاديميا ولا نظريّا تلقينيّا، بل تطبيقيّا نابعا من ذات كلّ منشئ منّا، يبادر بفتح باب عالمه الدّاخلي لأصدقاء لا يخجل من إطلاعهم على وجع مخاضه ولا يخجلون من تقاسم مواجعهم معه. كلّ يجني ما يحتاجه من ثمار تجارب الآخر الإنشائية، ولكن في كنف الاطمئنان على أن مصير إنشائه والتزامه باحترام آجال لإنهاء كل مرحلة من مراحل عمله، سيكون الاكتمال لا محالة بفضل حرصنا الجماعي على توفر قدر أدنى من الجودة في كلّ نصوصنا تؤهلها للنشر، وبفضل تأكدنا من التزام دار نشر تراهن على الجديد وتضمن لعملنا الخروج إلى النّور.

فهل بعد هذا الإعلان على رؤوس الملإ وبعد استضافة ممثلي الجمعية والورشة من قبل الأستاذة علياء رحيم في حصة اليوم السبت 8 فيفري من برنامجها "ضفاف" بإذاعة المنستير، وبعد إعلان التحدّي على أمواج الأثير مع ذكر كل الأسماء التي أشرنا إليها أعلاه،،، هل بعد كل هذا تغلبنا النفس الأمّارة بالتراخي ونخشى السير في وعر المسالك ؟ هل بعد هذا من تراجع عن رفع التحدّي.

واثقون من أننا سنعبر معا الجسر وهذا وعد منّا جميعا، من التزم منا بالكتابة ومن سيضطلع بمهمة المصاحبة النقدية والتنسيق وغيرهما من المهام، بأن ننجح في رفع التحدّي.

موعدنا يوم السابع من فيفري 2015 لتحاسبونا على مدى وفائنا بما وعدنا.
ودمتم أصدقاء مشجعين على الفعل الثقافي الجاد.

الممضون على الافتتاحية مع الهكواتي :
لطفي الشّابّي
نبيهة العيسي العيسي
معاوية الفرجاني
إيمان حسيون
عفاف الشتيوي
فوزية حمّاد
لطيفة السطمبولي
منية تريمش
الدكتور الناصر العجيمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني