مسرح كلاسيكي مطرّز بالأوبرا

"المدينة تحترق"  لفراس اللبّان :

مسرح كلاسيكي مطرّز بالأوبرا


أيام قرطاج المسرحية الثلاثاء 7 ديسمبر 2021

مدينة الثقافة - قاعة مسرح الجهات

 "المدينة تحترق"  - عرض بإمضاء المسرحي الشاب فراس اللبان اخراجا ودراماتورجيا وإنتاجا ذاتيا



مع المؤلف الموسيقي الشاب أيمن بن صالح

ومع القيم المسرحية الثابتة يونس الفارحي، وابراهيم زروق، ووفوزية بدر، وعبد المنعم شويات ، تمثيلا

ومع هيثم الحذيري، ونسرين المهبولي وهازار عبد الناظر غناء أوبراليا

***

هذه مسرحية كلاسيكية تعود بنا الى الميثولوجيا الاغريقية، ابحارا في مأساة أوديب وعائلته الملعونة من الآلهة أصولا وجذورا، وفي مأساة الطاغية كريون ولعنة السياسة عليه، إذ ينقاد الى التضحية بخَلَفِه من أجل أن يستتب له الحكم وتنقاد له المدينة.

هذه مسرحية محكمة البناء، دراماتورجيًّا، نقيةٌ، حركةً ركحيةً، جميلةُ المناظر والإنارة على كلاسيكيتها المشهدية المعتادة، من أعمدة قائمة إلى مصطبات ممددة وزخرف في تصميم المعابد


إنها مسرحية غنائية جزئيا، ثابتةُ البناءِ الموسيقيّ في تعدد أصواته (polyphonie) وتواؤم أسلوب ألحانه مع المناخ المأساوي، نقيةُ الأصوات في أدائها الأوبرالي فرديا (هيبوليت وانتيقون واسمان) وجماعيا (الكورس)


المسرحية مكتوبة بلغة عربية فصيحة وقد كانت على الرّكح سليمة النطق معافاة من كل لحن في إلقائها. وهذه ميزة افتقدها مسرحنا التونسي طويلا.


قد نجانب الصواب لو قلنا إنها ، كعمل فنّي، مسرحية خالية مما لا يخلو منه العمل البشري من نقائص، بالنظر خاصة الى ما حدّثنا عنه الفنان عبد المنعم شويات من عسر ظروف إنجازها.


ولكنه عمل فني على نظافة وتميز ملحوظين، سيسجل تاريخ المسرح التونسي أنّه شكّل فيه إحدى العلامات البارزة بما حققه من إضافة نوعية ثابتة لمقاربتنا المسرحَ الكلاسيكيَّ موسيقيا (وهذا جديد تماما على ممارستنا المسرحية). كما أنه عمل يتقدم بنا خطوة جديدة، جدّ محترمة، على درب التأسيس لمسرح غنائي تونسي.

ولإعطاء كل ذي حق حقه، لا بد هنا من التذكير بالخطوات الرّائدة التي قطعها على هذا الدرب الثنائي المؤسّس محمد القرفي والبشير الدّريسي. كما لا ننسى تلك الخطوات التّعليمية المهمّة التي ما تزال متواصلة في صلب المعهد العالي للموسيقى والتي شهدت الساحة التونسية بفضلها أعمالا نقلت هذا النوع من العروض من المقاربة "الأوبيريتية الڤرفية" (نسبة الى الڤرفي) حيث كان الغناء وإن قام على موسيقى بوليفونية منغرسا في الأداء الشرقي التقليدي، إلى مقاربة في الأداء الغنائي أوبرالية بحتة، قدّمت بعض الأعمال الكلاسيكية الإيطلية بالخصوص، لأول مرة بأصوات تونسية. وكانت المبادرة والتأطير من الثنائي رشيد قوبعة وكريستينا هاشييفا.


قدلا تكون مسرحية "المدينة تحترق"  لفراس اللبان وأيمن بن صالح أوبرا كاملة الشروط، كما تنص على ذلك المعلقة تجاوزا. إذ اقتصر الأداء الغنائي على الكورس مع ثلاثة أدوار دون سواها من ذات الأهمية الأكبر والمساحة الفرجوية الأعرض.


ولكنها أول عمل مسرحي كلاسيكي تونسي مرصّع او مطرّز بالغناء الأوبرالي. هذا الإثراء الموسيقي الذي شكّل مراوحات بين المشاهد التراجيدية القاتمة، ضمنت استرسال الإيقاع المسرحي وتجديد طاقة المتفرج على المتابعة. وفي ذلك إنما تكمن الإضافة النّوعية. ومنه تتضاعف متعة المشاهدة.


لقد كانت بالفعل متعة مسرحية حقيقية توجب توجيه تحية خالصة إلى الفريق المساهم في هذا العمل، فكلهم، وخاصة منهم الممثلين، يستحقون تصفيقة إعجاب وتقدير لمواهبهم وجهودهم الغزيرة التي ساهمت في إنجاح هذا العمل.

ولكن أداء يونس الفارحي لدور كريون الذي تقوم عليه كل المسرحية يستحق تنويها خاصا.


والتشجيع كل التشجيع لهذا المخرج الشاب الذي بدأ ينحت اسمه بكل ثبات والذي أصبحت مسؤوليته بعد انجاز هذا العمل أبلغ، وبالتالي أثقل في المحافظة على هذا المستوى من التميز. فلنسجل جيدا هذا الاسم : فراس اللبان، سيكون له بالتأكيد شأن في ساحتنا المسرحية وأيّ شأن.

الهكواتي

 ——————

 تنويه : أمضي هذا المقال بصفتي ناقدا ثقافيا عتيقا ومتابعا فاعلا قدر الإمكان في الساحة المسرحية أعتق، وليس بصفتي حاملا لنفس لقب المخرج فراس اللبان














تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني