انتهى الاجل ويبقى الأمل

رحلة "نوارس الروايات العشر"
انتهى الأجل...
             ويبقى الأمل

رسالة الهكواتي

اليوم الأحد، الثامن من نوفمبر 2015، في الساعة الصّفر، انتهت سنة "نوارس الرّوايات العشر" وحلت محلها سنة أخرى، قد نتركها بلا هدف محدّد، وقد نرسم هدف ما في وقت ما منها نعلنه في الإبّان.

في هذه اللحظة لا يمكنني أن لا أتذكّر نهاية "سنتي على جناح السّرد" التي كان الاحتفاء بنجاحها في النادي الثقافي الطّاهر الحدّاد بمدينة تونس العتيقة لافتا، حيث انتظمت ندوة فكرية حول "الكتابة التحدّي وتحدي الكتابة" تابعها الجمهور والإعلام بشكل مكثف.

ولكن، ما كلّ الطّرق تؤدّي إلى روما كما يقول المثل، وما كل مشروع يصل بالضرورة إلى مداه المنتظر. ففي الثامن من نوفمبر الماضي، أرسلت إلى كل النّوارس رسالة مفتوحة (أنظر أدناه) أقررت فيها بفشل مشروع "نوارس الرّوايات العشر" في شكله وآجاله التي تصوّرناه عليها. والأيام لم تغيّر شيئا سوى تحريك بعض ممّا كان ساكنا وإنطاق بعض ممّا كان صامتا.


فقد كانت لي منذ ما يقارب الشهر محادثة صريحة مع الصّديق لطفي الشّابّي تعهدت أثناءها بنشر نصّ له على مدوّنة الورشة متى أراد تقييم التجربة والإدلاء برأيه في ما عشناه معا منذ بداية المشروع، حتّى لا يكون السماع في هذه المدوّنة من جانب واحد.

وفعلا، بلغتني منه رسالة يوم الخميس 5 فيفري أثلجت صدري وستشكّل العنصر الأول الذي يلي هذا الاستهلال.

يوم الجمعة 6 فيفري كنت أفكّر في كتابة نصّ قصير أقدّم به نصّ الصديق لطفي الشّابّي، حين وصلتني مفاجأة أعتبرها كبرى نظرا للظروف الحافّة بها وأتركها إلى أن يحين وقتها ونصل إلى موقعها من هذا الخطاب الجامع.

يوم السبت 7 فيفري، جدت بيني وبين الصديقة صفية قم بن عبد الجليل محادثة فايسبوكية أعلمتها فيها برسالة الصديق لطفي الشّابّي وعبرت لها عن استعدادي لتمكينها من نفس الفرصة. فوعدت بالكتابة وها قد وصلت رسالتها في الموعد. وستشكّل العنصر الثالث والأخير من هذا الخطاب الجامع.

وهكذا تكمل وجهات النّظر المتوفرة حاليا. ويبقى الباب مفتوحا لكل من أراد أن يضيف شيئا يسير بنا في اتجاه تغذية الأمل في استكمال الأعمال التي بدأ في تنفيذها كل مشارك، ولو من باب صيانة الجهد الفائت من الضياع.

صحيح أن الأجل فات وانتهى ولا يمكن لنا أن نعود إلى الوراء ولكن فوات الأجل لا ينفي بقاء الأمل.

مع محبّتي  -   الهكواتي



النّصّ الأوّل

لا أحد عَبَرْ ولكن...
          لا أحد استسلم أيضا

رسالة من لطفي الشّابّي

صديقي العزيز الهكواتي

أكتب لك هذا وانا في تمام الوعي بأشياء سأحاول أن أعبّر عنها بأكبر قدر من الوضوح والصّراحة التّي اعرف انّها مطلبك دائما.

انطلقت علاقتنا منذ أكثر من سنتين ولم أخف يوما عنك ولا عن كلّ من يعرفني حجم اعتزازي بصداقتك وإفادتي من صحبتك التّي لا يمكن أن أحصيها في مثل هذا المقام. ولعلّ من علامات هذا الاعتزاز ما كان بيننا طيلة هذه الفترة من تواصل مثمر خصب أرجو ان يكون لي منه عندك بعض ما لك عندي منك.

انطلقت العلاقة بحديث محبّ معجب بروايتك الرّائعة "بوصلة سيدي النّا" التّي عرفتها عرضا قبل لقائك. وجدت فيها رجع روحي وبعض ما كنت احاول من إنشاء ( والكلمة لك ) في تلك الأوقات الصّعبة ( ما لم يقله الشّاعر سنة 2009 ثمّ رجل الغمام البعيد سنة 2010 والتّي صدرت تحت عنوان المائت سنة 2013 بعد حديث مطوّل وجلسات أفدت منها الكثير الكثير).

كان حلمنا الذي نما بمرور الوقت عبارة عن رؤيا بدات انت عبورها منذ سنين والتحقت بها أنا معك وإن بأخرة من الوقت ولكنّي كنت على تمام اليقين، ولا ازال، من أنّنا نمضي إليها معا بثقة لا تخون وعزم لم نشكّ في ارتخائه وخيانته لنا يوما...

ثمّ كانت فكرة ورشة دار الجسر الصّغير وما كنّا نريده لها من أفاق رحبة ومن تصوّر عظيم يقترح بديلا أنجع لواقع النّشر في تونس خدمة للكتاب التّونسيّ وللمبدعين الشبّان خاصّة. ولقد قطعنا في ذلك مرحلة مهمّة التقت فيها همم متقاربة وأرواح متصادية وعقول يقظى متعطّشة لكلّ مغامرة ذات معنى.

وكان الانخراط في جمعيّة معابر التّي توّجت موسمها الأوّل الذي انتمينا إليها فيه بحدث ثقافيّ مهمّ سيبقى لأنّه أسّس لتقليد ثقافيّ وخلّد بإصدار نشريّة ثقافيّة أثرت السّاحة الثّقافيّة ونرجو ان تستمرّ وتكبر ويتّسع صداها ومداها.

امّا التحدّي الأكبر الذّي انطلقنا فيه فكان ورشة الكتابة الرّوائيّة ( نوارس الرّوايات العشر ) وقد كنت من أكثر المتحمّسين للمشروع لأنّي خبرت جدواه وعملت معك على نموذج منه أثمر على قصر المدّة عملا رائعا وكان تحدّيا حقيقيّا نجحنا معا في رفعه وكنّا على ثقة من انّه بالإمكان إنجاز نظائر أخرى منه ظلّت تومئ إلينا وتغرينا بعوالمها وتدعونا إليها.

لذلك كنت حريصا على توسيع دائرة المشاركين حتّى وصلنا إلى عشرة وكنّا على غمامة الحلم معا نمضي إلى موعدنا مع آخر النّهر واثقين. وكانت المحطّات تتوالى والإيمان يكبر.. تخلّى البعض في وسط الطّريق ، وكلّ له أسبابه، حتّى استقرّ العدد عند الخمسة.. ثمّ كانت المرحلة الأخيرة وبدأ الشّعور ينتاب الواحد منّا تلو الآخر بالعجز عن الوفاء بالمطلوب في الموعد المضروب...
وجدت عند كلّ من حاورته نفس الموقف وكان الصّمت الذّي لفّ الجميع وكان كذلك الاعتذار المكتوم والرّغبة في التّدارك بتاخير الموعد..

والآن، ونحن على بعد يومين فقط من نهاية الأجل المحدّد، لا أحد من النّوارس عبر إلى الضفّة الأخرى، ولكنّه أيضا لا أحد استسلم وأقرّ بعجزه وركن إليه... أعرف يا صديقي حجم ألمك وأنت ترى حلمك غير مكتمل، ولكنّي أعرف أيضا أنّك لم تفقد الأمل في هذا الحلم وإن يكن عاندك منه الوقت وفاتك الموعد.

انا على تمام الوعي بأنّ الرّوايات الخمس ستكتمل عاجلا أو آجلا.. ولكن ما يهمّني هنا هو أن أحدّثك عمّا يخصّني وما خرجت به من هذا التّجربة الرّائعة على ما فيها من سقطات وخيبات وقومات كثيرة بعدها لم تكن إلاّ إضافة وتجاوزا لما كان عند المنطلق وتجويدا للنصّ كما بدأ في الخطاطة الأولى.

لقد انتهيت إلى ملاحظات كثيرة لعلّ أهمّها هي أنّ الكتابة، عندي على الأقلّ ، لا يمكن ان تخضع للحدّ الزّمني ولا يمكن خاصّة ان تكون بمنأى عن المناخ الذي تتطلّبه الكتابة من تفرّغ شبه كلّي وهو ما لم يتوفّر لي بسبب ارتباطي في السنة الفارطة بواجب العمل وما فيه من ضغوط مع التزامات أخرى لم تكن لتيسّر عمليّة التّركيز على نصّ بدات أعي انّه سيكون نصّا جيّدا لو تأنّيت في كتابته وتروّيت في مراجعته وتنقيحه في الوقت بعد الوقت...

الكتابة يا صديقي، وهذا قد نختلف فيه إلى حدّ ما، تحتاج إلى حالة من الصّدق والدّخول في عالم الرّواية والسّير على آثار الأشخاص الذين نبتكرهم ونصغي إلى اقتراحاتهم ونحاورهم ونستجيب لرغباتهم تارة ونعرض عنها طورا.. إنّها هذا الجدل المستمرّ بيننا وبين العوالم التّي نبتكرها أو نرحل إليها.. وهي بحث وتوثيق وتحقيق ورحيل داخل الرّحيل وكلّ ما تعرفه انت ولا شكّ وقد حدّثتني كثيرا عن عوالم البوصلة وما عانيته أثناء كتابتها..

أكتب إليك يا صديقي هذا الآن ارتجالا وأرسله دون مراجعة، لأنّه حديث الصّديق لصديقه ولأنّه خاصّة وهذا ما يهمّني أكثر، رغبة في طمأنة الصّديق الذّي احتمى بالصّمت طيلة الأشهر الأخيرة وبالأسى أيضا، ولا أشكّ في ذلك، وكأنّي أقول له بعد كلّ هذا الصّمت رغم لقاءاتنا العديدة: سنعبر إلى الضفّة الأخرى، لم نوقف السّير ولم تكفّ الأجنحة عن معاندة الرّيح واختراق العواصف، ولم يكن ذلك ليضعف الجناح بل لعلّه جعله أقوى على احتمال المسافات وأمضى في اختراق الآفاق..

كن بخير دائما..

صديقك: لطفي الشّابي



مفاجأة آخر لحظة: رواية "الميلساء"

تلميذ الباكالوريا
      يرفع التحدّي ...
                رغم أقسى الظروف


قد يميل البعض إلى القول إنّ كلمة فشل لم تعد تنطبق على مشروع سنة "نوارس الروايات العشر" طالما أنّ مثل هذه المفاجأة قد تحققت. أنا لن أذهب إلى هذا الحدّ فرقم 10 الذي بلغه عدد الملتزمين بهدف الورشة هو رقم 10، ورقم 5 الذي رضينا به في منتصف الطريق هو رقم 5. ولكنّ ما حصل ينعش النفس ويحيي الأمل.

سأترك للقارئ لذة الاكتشاف عبر هذا التسلسل :

1 / خطاب فايسبوكي من محمد قاسم الخزامي في التاسعة وبعض الدقائق من يوم الجمعة السادس من فيفري 2015 :

عم سالم أهلاً بك.. أبشر، أتمنى أن تكون موجودًا، أحتاج رقمك الهاتفي، ولقد أنهيت الرواية، وكما تريد، لن أصمم مع أحد الغلاف، أود أن نلتقي أيضًا.. تحياتي.
إليك المخطوط (ملاحظة: ملحق به مخطوط الرواية في شكل وورد)

2/ رد من الهكواتي على محمد قاسم الخزامي:

الف مبروك محمد هذه الخطوة جبارة مهما كان الجهد الذي ما يزال عليك بذله. أنا فرح لك وبك ولكن عليّ ان اعترف أنك أفرحتني من قبل ان افتح المخطوط فقد كنت يائسا من وصول اي مشارك إلى إرسال مخطوطه كاملا في الوقت. فشكرا جزيلا والى اللقاء.

3/ رسالة من الهكواتي منشورة بعد دقائق على صفحة ورشة النوارس ومرسلة أيضا إلى كل عنصر من أعضاء الورشة على حدة:

يطيب لي اعلام كل النوارس بأن ابننا النّورس المتصارع مع الباكالوريا، وصارعها بإذن الله، قد أرسل لي قبل يوم وثلاث ساعات من انقضاء الأجل مخطوطة روايته بعنوان "الميلساء" تقع في 229 صفحة "وورد".

أريد أن أحيي محمد على هذه الخطوة التي أعتبرها جبارة مهما كان الجهد الذي قد يكون مطلوبا لمزيد الارتقاء بعمله قبل نشره خاصة وهو الذي حالت ظروفه دون متابعة أي من لقاءات النوارس والذي مر بظروف عصيبة أهمّها فقدان والدته رحمها الله

شخصيا أشعر بكثير من الفرح لتوصّلي بهذا النّصّ ورجائي منكم جميعا أن تكتبوا لمحمد بعض الكلمات لمزيد تشجيعه وللاعتراف له بأنه أنقذ مشروع ورشة "نوارس الروايات العشر" من أن يفضي إلى الفراغ التام.
ولنا في قادم الأيام لقاءات لاستخلاص العبر والتعاقد من جديد مع الأمل.

محبتي للجميع






النّصّ الثاني:
7 فيفري 2015

رسالة من صفية قم بن عبد الجليل

هذا التّاريخ: 7 فيفيري 2015، كم كنتُ أرجو أن يكون موعدا مع الفرح بتحقيق حلم، نسجته كلّ النّوارس العشرة بأريحيّة وبشتّى ألوان الطيف! كم كان بديعا ذاك اليوم الذي التقت فيه جلّ النّوارس بمدينة نابل بإشراف الهكواتي سالم اللبّان، للتّعارف ولنرسم معا خارطة طريق تُيَسِّر لنا سيرنا في درب الإبداع!

كان الهدف يومها محاولة توحيد الرّؤى وتقريب وجهات النّظر على اختلاف تجاربنا السّالفة، وكان المأمول أن نلتزم بتواريخ مضبوطة تحدّد مراحل إنجاز العمل الرّوائيّ، تخطيطا وتفكيكا وتحريرا وإصلاحا ومراجعة... بل كان من استراتجيات الورشة أن نلتقي  ــ بعد تقسيمنا إلى فرق ذات ثلاثة أنفار بحسب التقارب الجغرافيّ ــ لقاءات دوريّة نتطارح فيها بعض المسائل ونتعاون على حلّ  ما أشكل علينا أو على بعضنا... غير أنّني والمجموعة التي أنتمي إليها لم نلتق إلّا مرّة واحدة بالمنستير!!!

وفي لقائنا الجماعيّ الذي ضمّ جلّ النّوارس بالمركّب الثقافيّ، مدّة يومين، اقترح بعضنا تغيير استراتيجيا العمل بأن يظلّ الحوار جماعيّا عبر صفحة الكترونيّة خُصّصت للغرض وعبّرنا جميعنا على استعدادنا وحماسنا لتجاوز تأخّرنا عن إنجاز ما كان علينا إنجازه، حسب الرزنامة البيانيّة، خاصّة أنّ " الدرس " التطبيقيّ في كيفيّة التعامل مع الوحدات الحدثيّة الكبرى والمتوسّطة والصّغرى كان مفيدا ومشجّعا على خوض التجربة بأيسر السّبل المنطقيّة في توالي الأحداث وارتباط الأسباب بالنّتائج...

يُضاف إلى هذه المجهودات التي ذكرتُ بعضها استعداد الهكواتي المستمرّ للإرشاد والقراءة والتوجيه والحوار عبر الصفحة المخصّصة لذلك أو في لقاءات فرديّة...

يبقى السّؤال الذي يفرض نفسه: لمَ لم أفِ بالتزامي ولم أكن في الموعد المحدّد؟

إنّي لا ألوم غير نفسي التي تباطأت في إنجاز كلّ مراحل كتابة الرّواية، وإن كنتُ غالبا ما أجد لها أعذارا بعضها يعود إلى ظروف عائليّة عاجلة وأخرى طارئة... وبعضها إلى ارتباطاتي بأنشطة ثقافيّة أخرى تستنفذ منّي وقتا وجهدا...

بيْد أنّ السّبب الحقيقيّ أعمق من ذلك، من منظوري الخاصّ: الكتابة عندي ليست صنعة أو صناعة أو احترافا وجب عليّ آداؤه... بل هي عشق ووله، لا أمارسه تحت أيّ ضغط غير إحساسي بالامتلاء حتّى يفيض منّي الحرف، بعد أن تكون الفكرة قد امتلكتني وامتلكتُها وتكون الرّغبة في رسمها قد ألحّت عليّ إلحاحا للانتقال بها من عالم الوجود بالقوّة إلى عالم الوجود بالفعل... قد يحدث لي أن أهطل فأكتب عشر صفحات في اليوم، وقد يحصل لي أيضا أن يجفّ نبعي فأظلّ أيّاما أو أسابيع أو شهرا، دون أن أخطّ حرفا، والفكرة تتلبّسني ليلَ نهارَ، ولكنّي عاجزة عن أن أمسك بها كما أريد لها أن تكون..!!!

لا أبرّئ نفسي من تقصيري في إنجاز ما التزمتُ به في موعده، ولا أبحث لها عن تعلّات... بل إنّي لأدينها، ولأخجل من عدم الإيفاء بالوعد، ولآسف على عدم الاحتفاء بحلم النّوارس المشترك، في يومه المحدّد، يوم 7 فيفري 2015.

لقد أنجزت من الرّواية 178 صفحة قابلة للتحوير والتعديل والمراجعة، أي خمسة فصول ونصف الفصل السّادس، وسأمنح نفسي مدّة إضافيّة لا تتجاوز الشهرين على أقصى تقدير!

 حلمي، حلم ورشة النوارس لم يتحقّق في موعده ولم ينلني شرف الاحتفاء بتتويجه... بيد أنّي لن أفرّط فيه، وسأضاعف عنايتي وبذل جهدي حتّى يتحقّق، وإن بعد حين!

اعتذاري عن تقصيري يتجدّد، مع وارف ودّي وتقديري للهكواتي ولكلّ النّوارس، راجية من الجميع أن نسعى قُدما نحو حلمنا المشترك حتّى يتحقّق في أقرب الآجال المتاحة.

سلاما

مساكن، في 7 فيفري 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني