رسالة مفتوحة إلى النّوارس

إقرار بفشل

صديقاتي وأصدقائي أعضاء ورشة نوارس الرّوايات العشر،

جميلة روح الدّعابة والمرح التي سادت أجواءنا، ومازالت، منذ ثلاثة أرباع السّنة، تحبّب إلينا أن نتداعى "بالنّوارس". ما يسمح لي بأن أوجّه لكم هذه الرّسالة المفتوحة جاعلا مطلعها: سلام على النّوارس.

أمّا بعد،

فمنذ أسبوعين أو أقلّ، وجدتني مضطرّا لأطرح على نفسي سؤال ورشة الهكواتي وبالتحديد سؤال مشروعنا:  سنة "نوارس الرّوايات العشر".

فتحت مدوّنة الورشة، هذه التي بين أيديكم، وسألت:

-         أهذه مدوّنة محيّنة كما اقتضته شروط خوض هذه المغامرة من يوم انطلاقها؟

الجواب كان حاسما: لا.

-         والمسؤول؟

جواب حاسم أيضا: أنا وحدي لا شريك لي في هذا الإثم على الأقلّ.

-         وما أسباب تقصيري في تحيين المدوّنة؟ ألم تكن هذه المهمّة من مشمولاتي من أوّل يوم وزّعت فيه الأدوار؟

-         بلى. ولا فائدة من "إنّ" وأخواتها، وخاصة منهن "لكن"...

وجدتني أرحل مع خيالي مسترجعا يوم 8 فيفري الفارط، يوم بدأنا مشروعنا معا. يومها، كلّ منّا التزم -ضمنيّا، إن لم يكن صرّح بالتزامه على أمواج إذاعة المنستير- بأن يركّز اهتمامه طيلة السّنة على الكتابة الرّوائية، مشروعا أساسيّا لسنته هذه، حتى لا أقول مشروعا حياتيّا حصريّا. ثمّ لم أدر كيف بلغنا المنعرج الذي أوصلنا إلى نقطتنا هذه التي لا عودة منها.

لم أدر متى بدأت أشعر ببعض الحرج في قول ما كان عليّ قوله لكم والإعلان عمّا كان ينبغي إعلانه. لم أتفطّن إلاّ والخوف ينتابني من أن يتفتّت الفريق في لمح البصر إن أنا صرّحت بما كنت أشعر به. كان عليّ أن أبادر بطرح موضوع الآجال بشكل أكثر جدّية. ولكنّني كلما فكرت في ذلك، سمعت في داخلي حينا، ومباشرة من بعضكم حينا آخر، بعض الرّدود من قبيل:

"متوتّر أنت أكثر من اللزوم يا عم سالم"، أو "أمامنا الوقت الكافي"، أو "ألا تثق في إمكاناتنا كما نثق في إمكاناتك؟" الخ...

في الأثناء، كانت الظّروف الخصوصية التي مرّ بها البعض منّا. وكانت بعض أحداث سعيدة باركنا نتائجها جميعا، وإن أقعدت بعضنا عن رفع التحدّي معنا. وكانت أحداث أخرى من طوارئ الأيّام. فأُعلن انسحابٌ من هنا و تأجيلٌ من هناك. ثمّ كان الإرهاق موجبا لبعض الرّاحة، وكانت النّزوات الأمّارة ببعض التكاسل والاسترخاء... ومع ارتفاع حرارة الصّيف، حلّ يأس نسبي من الوصول في الموعد... وصار يا ما ... كان.

ويعاودني السّؤال: اليوم بالذات (8 نوفمبر 2014) تنطلق الأشهر الثلاثة الأخيرة من الفترة المحدّدة لإتمام التحرير النّهائي قبل إيداع النّصوص لدى دار الجسر الصّغير لتنفيذ النّشر. فأين مشروعنا من مخطّط تنفيذه؟ وما المهمّة التّحريرية التي من المفروض أن تكون قد انتهت البارحة حسب ذلك المخطّط؟

كان مفروضا أن أنهي البارحة آخر مراجعة لكلّ نصّ من نصوصكم الكاملة، بعد أن تكون قرئت أيضا من قبل بقية المشاركين. واليوم، كان يفترض أن ينطلق كلّ صاحب مشروع في إعادة الكتابة الأخيرة لنصّه بكلّ وعي بما يفترض أن نكون طلبناه منه، ولكن بكلّ حرّية في تبنّي أو إهمال أي من ملاحظاتنا.

كان يفترض، اليوم، أن يبدأ كلّ منكم في التّركيز على مشروعه الشّخصي النّهائي ولا شيء سواه، حتى يتكون نصوصكم جاهزة على النّحو الأمثل بعد ثلاثة أشهر.  


-         هذا الافتراض، فماذا عن الواقع؟ إلى أين وصلتُ معكم في تنشيط مسعاكم إلى تحرير رواياتكم؟


 الصورة: آخر لقاء جماعي جزئيّ للورشة احتضنه المركب الثقافي بالمنستير

للأسف، لا واقع إلاّ ما كنت أنتظر منذ بدأت العطلة الصّيفية، من يوم اتفقنا على أنّ العمل في صلب حلقات جماعية قد انتهى لترك المجال للكتابة الفردية، من يوم أعلنت لكم قراري بألاّ أستحثّ أحدا منكم على التّحرير، وبأن أكتفي بانتظار ما يرد عليّ من نصوصكم طوعا.

للأسف، لا واقع إلاّ أنّي عجزت. عجزت كمنشّط لورشتكم، عن أن أوصل أحدا منكم إلى إنهاء أكثر من ثلث نصّه في تحرير أوّلي. هذا النّصّ الذي يفترض أن يكون أكتمل ثمّ عرض على قراءة أوّلية تلتها تعديلات أوّلية ثمّ على قراءة ثانية يكون يوم أمس الجمعة السابع من نوفمبر 2014، آخر أجل لجمع نتائجها ومدّكم بها.
والواقع أيضا، لحسن حظّي بالتّأكيد، أنني سأصبح عديم الوعي، إن أنا لم أفهم أنّ إتمام الرّوايات العشر في موعد السّابع من فيفري 2015، صار مهمّة أقرب إلى الخوارق منها إلى الممكن. ولذلك فإن عليّ القبول من الآن بإعلان فشل الورشة في تحقيق كلّ أهدافها.

-         هل يعني هذا الإقرار بضرورة الانسحاب الكامل والتّخلّي عن المهمّة نهائيّا؟

طبعا لا. فأنا أفصل بين إمكان النجاح في رفع التحدّي في الآجال المضبوطة، وبين ضرورة التّمسك بمشروع الورشة والتشبّث بتحقيق أهدافها ولو بعد حين.

لذلك، وخلافا لما قد يتبادر إلى أذهان بعضنا، ما أزال مستعدّا للعمل مع كلّ كلّ واحد(ة) منكم يعلن منكم مواصلته طرح التّحدّي على نفسه، حتّى أساعده على بلوغ هدفه الشخصيّ المتمثّل في إتمام تحرير رواية جديرة بهذه الصّفة ولو بعد سنتين. وإنّي لأنتظر منكم ردودا مكتوبة في هذا الاتجاه.

هو ذا جوهر رسالتي إليكم، وما تبقّى تداعيات. فما كتبت لكم متفصّيا من مسؤولية أريد إلقاءها على أيّ منكم. إذ كلّكم أحبّتي وأصدقائي المقرّبون. وكلّكم تعلمون ما هو لي وما هو عليّ. وما أنا بباحث عن أسباب ومسبّبات، ولا بمتعجّل تقييم تجربة لم تبح بعد بكامل أسرارها. فما هذا بالوقت المناسب لمثل هذا البحث، وما أنا بمن يطوي صفحة لم يقرأ كلّ ما كتب عليها سطورها، وما قبل السّطور وما بعد السّطور وفيما بينها أيضا.

ولكنّني، وقد وصلت إلى يقين بألاّ أحد منكم سيتمّ عمله في الموعد المحدّد، على الأقل بالشكل الذي اتفقنا عليه، منذ اليوم الأوّل، فقد صرت أشعر بواجب الإقرار بواقعنا هذا كما هو وبكلّ صراحة، من قبل حلول الآجل وسماع الأصوات المسائلة. ولم لا يكون هذا الإعلان على الملأ كما لو كانت النّتيجة غير هذه، كما لو كان يحقّ لنا من الآن دقّ مزاهر نجاحنا في رفع التحدّي؟
  
هذه، صديقاتي وأصدقائي، هي الوظيفة التي تضطلع بها رسالتي المفتوحة إليكم. ولكن، قبل الختام، لا يحقّ لي أن أخفي ما يعتريني اليوم من خيبة أمل جرّاء هذا الذي لا اسم له إلاّ "الفشل"، وإن كان نسبيا في كل الأحوال. كما لا يحقّ لي أن أنكر أنّ حالي مع هذا التّحدّي بالذّات أشبه ما تكون بحال غاطس إلى قاع القاع.

ومع هذا، فلا بدّ من أن أكون صادقا مع نفسي أوّلا ومعكم ثانيا، ومع كلّ من يهمّه خطابي هذا، سواء ممن يقاسمونني فشلي أو ممن بدأوا معنا المشوار شهود حقّ علينا، أو حتّى ممّن كانوا وما يزالون، من ربوتهم، علينا متفرجين. لذلك أوضّح:

إنّ ما قد يُرى عليّ في الأيّام القادمة من سلوك شبيه بالتّقوقع على الذّات، ربّما لا يكون سوى مؤشّر على إمكانيّة أن أطفو على السّطح مجدّدا، من نقطة في اليمّ قد لا ينتظرني فيها أحد، وبصيد مّا أنفس ممّا يتصوّرني أحدٌ قادرا على غنمه من هذا الغطس. سأصمت، نعم. ولكن قد يكون في بعض صمتي قول فصل. ولتكن هذه علامة قد أحتاجها، في الوقت المناسب، شهادة لي أو عليّ.

ختاما، كما خرجت بخطابي من معاينة الفشل إلى الإيحاء بنجاح ممكن، ولأنني أرغب في العبور به الآن إلى مغازلة الأمل والاستعداد للفعل، لعلكم تسمحون لي بأن أطلب منكم طلبا. أعرف أنّكم لن تردّوني خائبا.

تذكرون ولا شكّ أنّنا، ذات حصّة من حصص العمل الجماعي في ورشتنا، احتضنها المركّب الثقافي بالمنستير قبيل الصّائفة الماضية، التزمنا بأن يكتب كلّ منّا، إضافة إلى التزامه العامّ بالتحدّي، وانطلاقا من تمرين خصّصناه "لتقسيم الوحدات الحدثية"، أن يكتب قصّة قصيرة مكتملة كما تصوّر وحداتها الحدثية في ذلك اليوم، انطلاقا من المقترح الإنشائيّ المتعلّق بنشوب حريق في ورشة.

كم يسعدني، صديقاتي وأصدقائي، أن تعودوا جميعا إلى مذكّراتكم وأن يكمل كلّ منكم قصّته ويرسلها إليّ حتّى أعمل على توزيعها عليكم للقراءة وإبداء الرّأي، ثمّ أعدّها للنّشرفي العدد الجديد من مجلّة معابر، كما خطّطنا لذلك. فما زلت مصرّا على محاولة إصدار المجلّة في موعدها المؤقت، أي في شهر ماي القادم، ولو كان ذلك رقميّا.

مع خالص مودّتي

اخوكم

الهكواتي – سالم اللبّان


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني