أجراس القارعة

أجراس القارعة
الهكواتي – سالم اللبّان
 
-1-
 
السَّاعَةَ المِائَةُ قَبْلَ الْـ...
زَلْزَلَة
أَمْوَاجُ المَشْهَدِ جَامِدَةٌ
وَمَا مِنْ حَكِيمٍ رَأَى بَقَرَاتٍ عِجَافًا
سَيَأْكُلْنَ عُشْبَ الحِكَايَةِ يَوْمًا
فَكُلُّ الشَّوَارِعِ أَبْعَدُ مِنْ أَيِّ حُلْمٍ
يَرَى فِي الخُرَافَةِ مُتَّسَعًا
لِتَخَيُّلِ قَرْعِ جَرَسْ
*****
أَمْوَاجُ المَشْهَدِ جَامِدَةٌ،
وَأَنْتَ تَرَى،
فِيمَا يَرَى الوَاقِفُونَ عَلَى حَافَةِ الزَّمْهَرِيرِ،
خِنْجَرًا يَخْرُجُ مِنْ غِمْدِهِ
وَيَعُودُ سَرِيعًا إِلَى قَبْضَةٍ مِنْ جَلِيدْ
فَتَسْأَلُ جَارَكَ عَمَّا جَرَى:
-         "سَمَاءُ بِلاَدِيَ صَحْوٌ"، يَقُولْ
وَيَصْمُتُ مُبْتَسِمًا
فًتُسْلِمُ لِلْأُفْقِ بَسْمَتَكَ الخَائِرَة
وَتَحْسِبُ وَحْدَكَ مُرْتَعِشًا
كُتَلَ السُّحُبِ العَابِرَة.
*****
مِنْ أَيْنَ أَسْلُكُ إِلَى حُلْمِنَا
حِينَ تُمْطِرُنَا غَيْمَةٌ بِالرُّؤَى
وَيَنْبُتُ بَيْنَ شُقُوقِ الجَلِيدِ
احْتِمَالٌ جَدِيدْ؟
إِلَى الأُفْقِ وِجْهَتُنَا الثَّابِتَة
وَفِي الأُفْقِ مَوْعِدُنَا
حِينَ يَطْلَعُ قَوْسُ قُزَحْ
وَفِي الأُفْقِ وَجْهُكَ،
يَرْسُمُهُ أَمَلٌ بَاسِمٌ
كَشَفَائِفِ وَرْدٍ يُدَاعِبُهَا الطَّلُّ
وَهْيَ تُقَبِّلُ نُورَ الصَّبَاحْ

-2-
 
السَّاعَةُ الـ... سَابِعَةُ قَبْلَ المِيـ...عَادْ
أَمْوَاجُ الشَّارِعِ الرَّئِيسِيِّ سَبْعٌ نَائِمَاتٌ
كَأَنَّ الظَّهِيرَةَ تَرْسُبُ فِي غَيْهَبِ العَتَمَة
وَمَا مِنْ مُهَرِّبَةٍ خَبَرًا
فِيهِ مُتَّسَعٌ لِلْجُنُونْ
فَمَا بَيْنَ كُلِّ رَقِيبٍ وَعَينِ رَقِيبٍ...
رَقِيبٌ
وَحَيْثُ تُوَجِّهُ خُطْوَكَ
تَلْقَى مَضِيقًا عَسِيرَ العُبُورْ
*****
أَمْوَاجُ الشَّارِعِ سَبْعٌ نَائِمَاتٌ
وَأَنْتَ تَرَى،
فِيمَا يَرَى المُؤْمِنُونَ بِحَتْمِيَّةِ القَارِعَة،
أَنَّكَ عَلَى بُعْدِ نَعْتٍ مِنَ المَشْهَدِ المُسْتَحِيلْ،
تُفَتِّحُ مَا بَيْنَ جَفْنَيْكَ،
تَخْتَلِسُ الصُّورَةَ المُنْتَقَاة
فَيَلْسَعُ لَحْظَكَ لَمْعُ انْعِكَاسِ حَرِيقٍ
عَلَى خِنْجَرٍ سَافِرٍ
حَادَ عَنْ غِمْدِهِ مِنْ زَمَان
فَتَحْتَارُ:
-         مَاذَا يُهَيَّأُ لِلصَّحْوَةِ القَادِمَة؟
وَتَسْأَلُ جَارَكَ:
-         "هَلْ حَانَ مِنْكَ الْتِفَاتٌ إِلَى الصَّعْقَةِ الرَّاجِمَة؟"
فَيَلْعَنُ جَارُكَ فَتْحَ العُيُونِ
وَيَمْتَدِحُ الظُّلْمَةَ الدَّائِمَة
*****
مِنْ أَيْنَ أَسْلُكُ إِلَى حُلْمِنَا
حِينَ يَأْبَى الظَّلاَمُ انْقِشَاعًا
وَيُجْهِشُ أَهْلُكَ بِالخَوْفِ
مِنْ كُلِّ رُؤْيَا ؟
إِلَى الأُفْقِ وِجْهَتُنَا يَا حَبِيبِي
إِلَى الأُفْقِ،
مَا لِي طَرِيقٌ لِأَخْتَارَهُ
غَيْرُ دَرْبِكَ أَنْتَ...
فَكُنْ لِي رَفِيقًا إِلَيْكَ
إِلَى أُفْقِ تَوْقِكَ أَنْتَ
وَكُنْ قَمَرًا
يَتَعَالَى عَنِ النَّجْمِ أَنَّى هَوَى
وَلاَ تَكْتَرِثْ
حِينَ تَهْزَأُ بِي المَوْجَةُ النَّائِمَة

-3-
 
السَّاعَةُ الخَـ...ـامِلَة
قَبْلَ تَشَكُّلِ صُورَةِ القَارِعَة
أَمْوَاجُ الشَّارِعِ سَبْعٌ نَائِمَاتٌ، لَمْ تَزَلْ
وَالمَشْهَدُ يَنْتَظِرُ السَّاعَةَ الصِّفْرَ كَيْ يَنْدَلِعْ
فَمَا فِي الصُّدُورِ فَضَاءٌ لِصَبْرٍ
وَمَا فِي القُصُورِ فَهِيمٌ لِأَنَّاتِهَا يَسْتَمِعْ
*****
أَمْوَاجُ الشَّارِعِ سَبْعٌ نَائِمْاتٌ، لاَ جِدَال
وَأَنْتَ تَرَى،
فِيمَا تَرَى الحَانِيَاتُ عَلَى حَمْلِهِنَّ،
أَنَّكَ تَكْمُنُ خَلْفَ ظِلاَلِ قَصِيدٍ جَدِيدْ
تُرَاقِبُ مَوْجًا عَلَى قَابِ مَعْنَى مِنَ الحُلْمِ
إِذْ تَتَمَثَّلُهُ العَاصِفَة
وَتَرْصُدُ فَجْرَ انْبِلاَجِ سُؤَالِكَ
فِي الأَعْيُنِ الخَائِفَة.
وَلَكِنَّ فِي المَشْهَدِ المُدْلَهِمِّ زَبَانِيَةٌ سَاهِرُونْ،
وَمِنْ حَيْثُ لَمْ تَنْتَظِرْهُمْ،
تَسَلَّلُ مِنْهُمْ عُيُونٌ إِلَى سَكَرَاتِ مَخَاضِك
وَمِنْ خَلْفِ ظَهْرِكَ يَلْمَعُ خِنْجَرُهُمْ
زَمْهَرِيرًا يُمَسِّدُ جِلْدَكَ
تَسْرِي قِشِعْرِيرَةٌ فِي حُرُوفِكَ
تَسْأَلُ جَارَكَ:
-         "هَلْ فِي جِوَارِكَ لِي مِنْ سَنَدْ؟"
فَيَأْتِيكَ مِنْهُ جَوَابٌ صَرِيحٌ:
-         "أَخِي أَنْتَ لاَ شَكَّ، لَكِنْ...
سَلاَمٌ، حَبِيبِي، عَلَى مَنْ رَقَدْ"
*****
مِنْ أَيْنَ أَسْلُكُ إِلَى حُلْمِنَا
حِينَ يُعْوِزُنِي سَنَدٌ مِنْ جِوَارِي ؟
وَكَيْفَ أَسِيرُ
إِلَى حَيْثُ لاَ تُغْمَضُ الأَعْيُنُ الحَالِمَة ؟
إِلَى الأُفْقِ نَمْضِي، حَبِيبِي،
وَلِي حُلُمٌ أَنْتَ فِيهِ شَرِيكِي
وَغَايَةَ كُلِّ مَسَارِي
فَيَا وَلَدِي
لاَ تُحَوِّلْ عَنِ الأُفْقِ نَظْرَتَكَ
وَلاَ تَنْتَظِرْ أَحَدًا لِيُوَجِّهَ سَيْرَكَ أَنْتَ
إِلَى هَدَفٍ أَنْتَ مَنْ تَرْسُمُهْ
وَيَا وَلَدِي لاَ تَرَاجَعْ عَنِ السَّيْرِ
فِي مَسْلَكٍ أَنْتَ مَنْ سَطَّرَهْ
تَخَطَّ الحَوَاجِزَ وَحْدَكَ إِنْ لَزِمَ الأَمْرُ
وَاعْبُرْ
فَإِنِّي عَلَى الغَاصِبِينَ مَعَكْ
وَإِنْ مُتُّ فِي وَاعِرَاتِ الشِّعَابِ
فَوَاصِلْ طَرِيقَكَ وَحْدَكَ
لاَ تَكْتَرِثْ لِرُفَاتِي
فَعِنْدَ وُصُولِكَ لِلْقَمَرِ المُسْتَحِيلِ
تَجِدْنِي زُهُورًا، تَفُوحُ أَرِيجًا
وَتَهْفُو إِلَى مَقْدَمِكْ

-4-
 
اللَّحْظَةُ مَا انْتَظَرَتْ سَاعَةَ الصِّفْرِ
وَمَا شَاوَرَتْ عِلْيَةَ القَوْمِ
قَبْلَ طُلُوعِ صَبَاحِ العَجَبْ 
أَمْوَاجُ المَشْهَدِ غَامِرَةٌ،
وَكُلُّ المَحَطَّاتِ تُخْبِرُ عَنْ شَارِعٍ مُصْطَخِبْ
وَمِنْ حَيْثُ لَمْ يَرْصُدُوا الزَّوْبَعَة،
تَهُبُّ العَوَاصِفُ عَاتِيَةً
تُزِيحُ الغُيُومَ عَنِ المَشْهَدِ المُدْلَهِمِّ
وَتَنْفُثُ كَبْتَ السِّنِينِ سُيُولاً،
كَشَلاَّلِ نَارٍ
يُؤُجِّجُ فِي كُلِّ نَهْجٍ لَهِيبَ الحَرِيقْ
يُذِيبُ رُكَامَ الجَلِيدِ،
وَيُفْسِحُ لِلْعَابِرِينَ الطَّرِيقْ
*****
أَمْوَاجُ المَشْهَدِ غَامِرَةٌ،
وَأَنْتَ تَرَى،
فِيمَا يَرَى القَانِعُونْ،
أَنَّكَ تَجْنِي طُمَأْنِينَةَ الكَادِحِينَ وَهُمْ يَمْسَحُونَ العَرَقْ،
وَأَنَّكَ تَسْعَدُ أَنْ رَأَتِ العَيْنُ يَوْمًا
تَدَفَّقَ فِيهِ ضِيَاءُ النَّهَارْ،
وَتَشْعُرُ فِي بَاطِنِ الوَعْيِ مِنْكَ
بِأَنَّكَ مَنْ رَافَقَ الحُلْمَ حَتَّى
يُغَنِّي الجَمِيعُ لِمَطْلَعِ شَمْسِ المَحَبَّةِ
تَغْمُرُ كُلَّ الدِّيَارْ

-5-
وَقْتٌ مُسْتَقْطَعٌ عَاجِلٌ وَأَكِيدْ
بَرْقِيَّةُ عُبُورْ
-         أَصْلُ الحِكَايَةِ مَنَامَةٌ
-         قِفْ
-         المَدَى شَاسِعٌ
وَأَنْتَ النَّحِيلُ
تَرَاكَ عَلَى صَفْحَةِ المَاءِ
أَضْخَمَ مِنْ كَرْكَدَنّ
-         قِفْ
-         رِيَاحُ الأَمَانِي البَعِيدَةُ
تَمْلَأُ صَدْرَكَ بِالفَخْرِ
تُعَلِّمُكَ النَّفْخَ فِي كُلِّ بَالُونَةٍ
لَوْنُهَا فَاتِنٌ
فَيَنْمُو افْتِتَانُكَ بِالنَّفْخِ فِي
حَجْمِكَ المُتَنَامِي
-         قِفْ
-         تَعْبُرُ  مِنْ ضِفَّةٍ
حَقَّ فِيهَا الشُّعُورُ بِضِيقِ الخِنَاقِ،
إِلَى ضِفَّةٍ
مَاتَ فِيهَا الشُّعُورُ بِوِسْعِ المَدَى.
-         أَفِقْ... أَفِقْ ... أَفِقْ....
(تَنْقَطِعُ البَرْقِيَّةُ قَبْلَ إِتْمَامِ إِجْرَاءَاتِ العُبُورْ)
*****
سُؤَالٌ بَرِيءْ :
يَا رَبِيعَ الرُّؤَى،
كَيْفَ حِدْتَ بِحُلْمِكَ
عَنْ مَسْلَكِ اليَاسَمِينْ؟
*****
تَقُولُ الخُرَافَةُ :
حَمَامَةٌ تَحْلُمُ بِالمُسْتَحِيلْ
حَطَّتْ عَلَى غُصْنٍ يَعِزُّ إِلَيْهِ الوُصُولْ.
أَجْنِحَةُ الكَوْنِ تَحْبِسُ أَنْفَاسَهَا.
عَقَارِبُ السَّاعَةِ تَطْوِي الزَّمَانْ
وَتِلْكَ الحَمَامَةُ شَاخِصَةٌ
تَرْقُبُ الدَّوَرَانْ
إِلَى أَنْ...
أُصِيبَتْ بِحُمَّى،
فَقَالَتْ أَطِيرُ لَعَلَّ يَخِفُّ الدُّوَارْ.
وَصَفَّقَ مِنْهَا الجَنَاحَانِ
يَبْتَعِدَانِ عَنِ الغُصْنِ
مِنْ حَيْثُ لاَ مُوجِبَ لِلْفِرَارْ
لَعَلَّ الحَمَامَةَ كَانَتْ تُلَبِّي نِدَاءَ الرَّحِيلْ
أَوْ لَعَلَّ بِهَا حَوَلٌ، كَانَ
يَحْجِبُ عَنْهَا الضِّيَاءَ البَدِيلْ
فَمِنْ ذَلِكَ الغُصْنِ
حَيْثُ الحَمَامَةُ حَطَّتْ
وَمِنْ حَيْثُ طَارَتْ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعُودْ
مُتَاحٌ لَهَا كَانَ، أَنْ ....
تَقْطِفَ المُسْتَحِيلْ.
*****
يَقُولُ المُنَبِّهُ :
أَفِقْ... أَفِقْ... أَفِقْ...
فَجْأَةً ...
بَعْدَ حُلْمِ لَيَالِي التَّآخِي التِي عِبْقُهَا اليَاسَمِينْ
تُفِيقُ عَلَى مَشْهَدٍ عَاِبِثٍ بِجَمِيعِ العُطُورْ
فَتَفْهَمُ أَنَّكَ لِلْمَرَّةِ الأَلْفِ تُلْدَغُ
مِنْ جُحْرِ غَدْرِ الزَّمَانْ،
وَتَعْجَبُ مِنْ أَنْ تَؤُوبَ العَقَارِبُ
مِنْ سَاعَةِ المُسْتَحِيلِ
إِلَى السَّاعَةِ الصِّفْرِ قَبْلَ انْطِلاَقِ الرِّهَانْ

-6-
 
السَّاعَةُ الخَـ...ـامِلَةُ
بَعْدَ تَشَكُّلِ صَنَمِ القَارِعَة
سَرِيعًا وَصَلْتَ مِنَ الطُّرُقَاتِ إِلَى المُفْتَرَقْ
وَمَازَالَ مَوْجُ الشَّوَارِعِ يَخْتَالُ عُجْبًا
يُحَطِّمُ كُلَّ المَبَادِئِ فِي كُلِّ وَقْتٍ
يٌقَطِّعُ كُلَّ السَّلاَسِلِ عِنْدَ القِيَامِ وَعِنْدَ المَنَامْ
وَيَزْهُو اصْطِخَابًا
وَلاَ رِيحَ تَنْفُخُ
فِي الاِتِّجَاهِ المُؤُدِّي إِلَى الشَّاطِئِ المُشْتَهى
*****
سَرِيعًا وَصَلْتَ مِنَ الطُّرُقَاتِ إِلَى المُفْتَرَقْ
تُطِلُّ عَلَى مَشْهَدٍ عَبَثِيٍّ يَهُدُّ قُوَاكَ
فَتَلْقَاكَ وَالحُلْمَ فِي عُزْلَةٍ خَانِقَة
يُحِيطُ بِكَ مِنْ جَمِيعِ حُصُونِكَ
غَابٌ مِنَ الأَلْسِنَة
وَكُلُّ لِسَانٍ يُلَعْلِعُ قَوْلاً بِلاَ لُغَةٍ
يُلَقِّنُكَ أَنَّ فَصْلَ الرُّؤَى المُسْتَنِيرَةِ بِالعَقْلِ فَاتْ
وَأَنَّ السُّكَاتَ انْتَهَى
وَيُنْهِي إِلَيْكَ البَدِيلَ كَلاَمًا بِدُونِ مَعَانٍ
وَمِنْ عُمْقِ فَصْلِ الثُّلُوجِ عَلَى شَاشَةٍ دَاكِنَة
يَجِيئُكَ صَوْتٌ يُقَهْقِهُ:  
"يَا... اِبْتَسِمْ
إِنَّنِي أَنْتَقِمْ ...
نَأَيْتَ بِحَرْفِكَ عَنْ مُدْيَةٍ مِنْ حَدِيدْ
فَصِرْتَ عَلَى بُعْدِ حَرْفَيْنِ مِنْ أَلْفِ سَيْفٍ جَدِيدْ"
يَرُجُّكَ صَوْتَ المُنَادِي
تَغُوصُ إِلَى القَاعِ حَتَّى تَرَى،
فِيمَا يَرَى الغَاطِسُونَ إِلَى عُمْقِ حُلْمِكَ
تَكَتُّلَ أَكْدَاسِ ثَلْجٍ جَدِيدٍ
تَرَاكَمُ فِي كُلِّ مَدٍّ وَجَزْرٍ
فَمَا ظَلَّ فِي صَاخِبَاتِ الشَّوَارِعِ
غَيْرُ اضْطِرَابِ عَقَارِبِ سَاعَاتِهَا
وَمَا هَا هُنَا مِنْ حَكِيمٍ
يُفَسِّرُ عَجْزَ الثَّوَانِي عَلَى الاِنْتِظَامْ
لِتَبْدَأَ عَدًّا جَدِيدًا مِنَ السَّاعَةِ الصِّفْرِ
أَوْ لِتُكَمِّلَ دَقَّاتِهَا فِي مَسَارٍ أَصِيلْ
فَتَسْأَلُ جَارَكَ:
"أَمَا مِنْ مَقَالٍ كَرِيمٍ يُنَبِّهُ مَنْ نَالَ مِنْهُمْ جُنُونُ البَقَرْ؟"
"أَمَا مِنْ حَكِيمٍ يُعَقِّلُ هَذَا وَذَاكَ،
 فَلاَ تَرْجِعَنَّ إِلَيْنَا عُصُورُ الحَجَرْ؟"
أَمَا مِنْ تَنَادٍ إِلَى هَبَّةٍ
تُحَبِّبُنَا فِي "صُعُودِ الجِبَالِ" مَعًا
وَتُبْعِدُنَا عَنْ حَيَاةِ التَّشَرْذُمِ "بَيْنَ الحُفَرْ" ؟"
تُسِرُّ لِجَارِكَ غَمْزَةَ حُبٍّ
عَسَاهُ يُقَدِّرُ أَنَّكَ تَنْسَى ارْتِعَاشَ جَوَابِهِ يَوْمًا،
وَأَنَّكَ تَفْهَمُ سِرَّ ابْتِسَامَةِ خَوْفِهِ يَوْمًا،
وَأَنَّكَ تَنْسَى امْتِدَاحَهُ ظُلْمَةَ عِزِّ الظَّهِيرَةِ يَوْمًا
وَتُؤْمِنُ أَنَّهُ كَانَ،
كَمَا الصَّامِتِينَ جَمِيعًا،
يَتُوقُ إِلَى مَا يُنِيرُ السَّبِيلْ.
تُعِيدُ عَلَى جَارِكَ الأَسْئِلَة،
فَيُعْرِضُ عَنْكَ
وَيَرْفَعُ فِي وَجْهِكَ المُتَفَائِلِ
صَوْتَ المُنَزَّهِ، كَالأَنْبِيَاءِ، عَنِ الشُّبُهَاتِ جَمِيعًا:
"أَخِي كُنْتَ، لاَ شَكَّ
لَكِنَّنِي الآنَ فِي صَفِّ مَنْ أَيْقَظُوا الزَّوْبَعَة،
وَمَا لِي كَلاَمٌ يُقَالُ مَعَ بَائِدٍ مِثْلِكَ، إِمَّعَة"
تُصَعِّرُ خَدَّكَ لِلصَّفْعَةِ المُوجِعَة
فَيَزْحَفُ مِنْهُ عَلَيْكَ صَقِيعُ الذُّهُولِ
وَتَيْأَسُ مِنْ أُفُقٍ قَدْ يُتِيحُ اللِّقَاءَ مَعَه
*****
مِنْ أَيْنَ أَسْلُكُ إِلَى حُلْمِنَا
وَعَصْرُ احْتِرَامِ المَقَامِ
وَوَزْنِ الكَلاَمِ ... انْتَهَى
                        وَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى رَتْقِ هَذِي الفُتُوقْ،
وَفَصْلُ السَّمَاعِ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ وَلَّى
وَحَلَّ
زَمَانٌ لِقَرْعِ اللِّسَانِ اللِّسَانَ بِدُونِ وَسِيطْ
وَكَيْفَ التَّفَاهُمُ بَيْنَ رِفَاقِ الطَّرِيقْ
 وَلاَ أُذْنَ تَسْمَعُ؟
كُلُّ لِسَانٍ يَقُولُ لَكَ اليَوْمَ:
"هَذَا أَنَا "
وَيُعْلِنُ وَهْمَهُ مِنْ فَوْقِ أَعْلَى الصَّوَارِي:
"أَنَا اليَوْمَ صُنْعُ اخْتِيَارِي
وَهَذَا القَرَارُ قَرَارِي،
وَإِنِّي بِهِ مُلْزَمٌ لاَ رُجُوعْ"
فَكَيْفَ يَكُونُ التَّوَافُقُ وَالكُلُّ يَهْذِي
وَكُلُّ لِسَانٍ يُفَاخِرُ بِالمُتَغَيَّرِ فِيهِ ؟
يَقُولُ :
"أَنَا لَمْ أَعُدْ مَا أَنَا،
فَمَرْحَى لِهَذَا الهَدِيرِ يُشَكِّلُنِي
مِثْلَمَا تَشْتَهِينِي المَرَاكِبُ
بَلْ مِثْلَمَا أَشْتَهِينِي أَنَا، وَلاَ فَرْقَ عِنْدِي"
فَهَلْ بِالشِّقَاقِ نُرِيدُ الحَيَاةَ؟
وَهَلْ بِتَشَتُّتِنَا "يَسْتَجِيبُ القَدَرْ" ؟
فَمَعْذِرَةً يَا حَبِيبِي،
إِذَا بَدَأَ الشَّكُّ يَنْتَابُنِي
أَيْ بُنَيَّ،
تَصَدَّعَ تَوْقِي بِهَذَا الدُّوَارْ
وَأَخْشَى عَلَى حُلْمِنَا
أَنْ أَكُونَ أُصَبْتُ بِجَلْطَةِ يَأْسٍ
نَعَمْ يَا بُنَيَّ،
فَمِثْلِيَ يَضْعُفُ أَيْضًا
وَمِثْلِيَ تُرْهِقُه غَائِلاَتُ الجُحُودْ
إِلَى الأُفْقِ أَعْرِفُ أَنِّي أَسِيرُ مَعَكْ
وَلَكِنَّ عَزْمِي اعْتَرَاهُ ارْتِبَاكٌ وَبَعْضُ قَرَفْ.
فَيَا وَلَدِي لاَ تَلُمْنِي عَلَى جَزَعِي
وَيَا وَلَدِي شُدَّ أَزْرِي عَلَى مِحْنَتِي
وَلاَ تَرْتَبِكْ لِارْتِبَاكِي
وَلاَ تَتْرُكِ الشَّكَّ يَأْتِي عَلَى صِدْقِ إِيمَانِنَا
بِالضِّيَاءِ الوَلِيدْ
وَخُذْ رَايَةَ الحُلْمِ مِنِّي
وَهَبْ لِيَ مِنْ دَفْقِ نَبْعِ شَبَابِكَ
طَاقَةَ دَفْعٍ جَدِيدْ

-7-
 
الدَّقَّةُ الخَـ...ـاشِعَةُ بَعْدَ تَفَتُّحِ زَهْرِ التَّحَضُّرِ
أَوْ هَكَذَا يَزْعَمُونْ،
تَفَجَّرَتِ القَارِعَة
كَأَنَّا بِسَاعَةِ صِفْرِ الحَضَارَةِ
عَادَتْ سَرِيعًا إِلَى ثَلْجِ سَاعَتِهَا السَّابِعَة
وَهَبَّتْ سِبَاعُ الحِسَابِ بِسَبْعٍ وَسَبْعِينَ آلَةِ عَدٍّ
لِتَحْسِبَ كُلَّ خِرَافِ الحِكَايَةِ جَمْعًا وَطَرْحًا
وَتُحْصِي الغَنَائِمَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ قَطِيعِ الغَنَمْ
وَمَا لَمْ يَعُدْ رُشْدُ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِيهِ عَقْلُ
فَكُلَّ القَوَارِبِ تَغْدُو عَلَى قَابِ غَمْضَةِ عَيْنَيْنِ
مِنْ صُورَةِ الهَاوِيَة
*****
تَفَجَّرَتِ القَارِعَة
وَمَوْجُ الشَّوَارِعِ مَازَالَ يَزْهُو اصْطِخَابًا
وَمَا مِنْ حَكِيمٍ يُعِيدُ الثَّوَانِي إِلَى رُشْدِهَا
وَأَنْتَ هُنَا وَاقِفٌ كَالغَرِيبِ،
تَرَى، فِيمَا يَرَى الخَائِفُونَ عَلَى الحُلْمِ مِنْ وَائِدِيهِ
غِلاَظَ العِصِيِّ هُنَا تُقْرَعُ
وَطِوَالَ السُّيُوفِ تُسَنُّ هُنَاكَ
وَتَلْمَحُ فَوْقَ الشِّفَاهِ الهَزِيلَةِ
أَسْئِلَةً هَازِئَة :
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ اسْتَحَالَ نَشِيدُ "الصَّبَاحِ الجَدِيدِ"
نَحِيبًا عَلَى الرَّاحِلِينْ؟
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ نَمَا عُشْبُ فَصْلِ الحَنِينِ
إِلَى الغَاصِبِينَ القُدَامَى؟
أَلاَ يَخْجِلُ المُؤْمِنُونَ،
وَمَنْ لَمْ يَزَلْ فِي انْتِظَارِ تَبَاشِيرِ فَصْلِ الرَّبِيعْ ؟
تَؤُوبُ إِلَى مَوْطِنِ العَزْمِ مِنْكَ
وَتُجْهِشُ، مِلْءَ انْدِهَاشِكَ، بِالأَسْئِلَة:
لِمَاذَا تُدَقُّ طُبُولُ الشِّقَاقْ؟
وَمَنْ ذَا يُغَذِّي لَهِيبَ الشَّمَاتَةِ؟
مَنْ دَسَّ سُمَّ التَّبَاغُضِ بَيْنَ الأَحِبَّةِ
فِي عِزِّ فَصْلِ العِنَاقْ؟
تُخَاطِبُ جَاَركَ رَغْمَ الجَفَاء :
حَتَّى مَتَى سَتَظَّلُّ الفُصُولُ تُؤَرْجِحُنَا
بَيْنَ مِنْطَقَةِ الاِنْطِلاَقِ إِلَى حُلْمِنَا
وَطَرِيقِ الإِيَابِ إِلَى قَاعَةِ الاِنْتِظَارْ ؟
وَلِمَاذَا غَدَوْنَا نَعُبُّ الكُؤُوسَ عَلَى نَخْبِ فَرْحَتِنَا
قَنَابِلَ مِنْ كَلِمَاتٍ عَلَى أُهْبَةَ الاِنْفِجَارْ ؟
وَيَأْتِيكَ مِنْ جَارِكَ المُطْمَئِنِّ
جَوَابٌ كَمِثْلِ عُلُومِ اليَقِينْ :
-         "أَنَا أَحْمَدُ اللَّحْظَةَ الوَاهِبَة
فَقَدْ أَرجْعَتْنِي إِلَى مَعْدَنِي
وَقَدْ صَيَّرَتْنِي كَمَا تَرْتَضِينِي المَعَاجِمُ فِي مِلَّتِي
فَخَارِطَةُ الاِنْتِمَاءِ الصَّحِيحَةُ أَرْحَبُ مِنْ أُسْرَتِي
وَأَهْلِي وَأَرْضِي مُجَرَّدُ وَهْمٍ
وَأَنْتَ وَهُمْ آخَرُونَ لَدَيَّ
فَحَدِّدْ مَكَانَكَ مِنْ هَذِهِ الخَارِطَة
وَقُلْ لِيَ:
أَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَنْتَ؟
مَعِي أَمْ مَعَ الآخَرِينَ عَلَيَّ ؟
لَدَيْكَ خِيَارَانِ :
إِمَّا تَؤُوبُ إِلَى مَسْلَكِي
وَتَسِيرُ مَعِي فِي مَضِيقِي
وَإِلاَّ فَمَا أَنْتَ مِنِّي وَمَا أَنْتَ لِي
*****
مِنْ أَيْنَ أَسْلُكُ إِلَى حُلْمِنَا مِنْ جَدِيدٍ
وَكُلُّ الرِّيَاحِ اللَّوَاقِحِ
تَحْبِسُهَا لَهْفَةُ المُدْمِنِينَ عَلَى القَرْصَنَة،
وَمِنْ كُلِّ صَوْبٍ تَهُبُّ الكَوَابِيسُ
تَنْفُثُ هَذَا الهَدِيرَ وَذَاكَ الصَّفِيرَ
لِتَفْجِيرِ أَعْمِدَةٍ
شَادَهَا الحَالِمُونَ بِزَهْرِ الرَّبِيعْ ؟
مِنْ أَيْنَ أَسْلُكُ إِلَى حُلْمِنَا،
وَقَدْ أَوْهَمَتْنَا الدُّرُوبُ بِأَنَّا إِلَيْهِ وَصَلْنَا ؟
وَكَيْفَ السّبِيلُ إِلَى قَصْدِنَا المَشْتَرَكْ
وَلاَ صَدْرَ فِيهِ مَسَاحَةَ وِدٍّ لِقَلْبٍ شَقِيقْ؟
طَوِيلٌ طَرِيقُ الرَّبِيعِ إِلَى حُلْمِنَا يَا حَبِيبِي
عَسِيرٌ بِنَاءُ الطَّرِيقْ
دُرُوبُ المَحَبَّةِ مُوحِشَةٌ حِينَ تَمْشِي وَحِيدًا
وَمُوحِشَةٌ وِحْدَةُ الصَّادِقِينْ
لَنَا اللهُ يَا وَلَدِي،
لَنَا اللهُ رَبًّا وَحِيدًا
تُؤَدِّي إِلَيْهِ المَسَالِكُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقْ
لَنَا اللهُ رَبًّا وَحِيدًا
عَلَى كُلِ خَلْقِهِ يَنْثُرُ بِالعَدْلِ رِضْوَانَهُ
لاَ يَضِيقُ بِلَوْنٍ،
وَلاَ يَصْطَفِي  أَيَّ شَكْلٍ لِرَحْمَتِهِ دُونَ شَكْلٍ
وَلاَ مَيْزَ عِنْدَهُ بَيْنَ النُّفُوسْ
إِلَى الأُفْقِ يَا وَلَدِي
إِلَى الأُفْقِ وِجْهَتُنَا الثَّابِتَة
وَفِي الأُفْقِ مَوْعِدُنَا يَا حَبِيبِي
وَحَتْمًا سَيَطْلَعُ قَوْسُ قُزَحْ
فَيَا وَلَدِي،
عَابِرٌ كُلُّ هَذَا الخُمَارِ
فَلاَ تَدَعِ القَلْبَ يَبْتَئِسُ
وَعَابِرَةٌ سُحُبُ الحِقْدِ تُنْذِرُنَا بِالدَّمَارِ
فَلاَ تَتْرُكِ الحُلْمَ يَنْتَكِسُ
فَكَمْ مِنْ قُلُوبٍ تَزَلْزَلَ زِلْزَالُهَا
ثُمَّ عَادَتْ إِلَى النَّبْضِ
تَنْضَحُ حُبًّا وَتَكْدَحُ بَاسِمَةً لِلْحَيَاة
فَلاَ تَسْتَكِنْ لِلتَّرَدُّدِ
قُمْ، جَدِّدِ السَّيْرَ نَحْوَ الأُفُقْ
وَثَبِّتْ لِحُلْمِكَ أَرْكَانَهُ
تَجِدْ فَلَقًا مِلْءَ فَجْرِ الحَيَاةِ
شُعَاعُهُ يَغْمُرُ كُلَّ الدُّرُوبْ
وَيَغْزُو البَصَائِرَ يَجْتَثُّ مِنْهَا العَمَى
وَيُطَهِّرُهَا مِنْ ظَلاَمِ اللَّيَالِي
وَأَوْهَامِ عَوْدِ القُرُونِ الخَوَالِي
فَيَا وَلَدِي لاَ تَرَدَّدْ
وَخُذْ بِيَدِي لاَ تَخَفْ مِنْ تَعَبْ
وَيَا وَلَدِي مُدَّ لِي رِيشَةً
مِنْ جَنَاحِ خَيَالِكَ
حَتَّى أُحَلِّقَ فَوْقَ رَبِيعِكَ أَنْتَ مَعَكْ
وَحَتَّى أَرَى مَا تَرَى لِمَصِيرِكَ أَنْتَ
وَأَزْرَعَ فِي تُرْبَةِ الوَاثِقِ مِنْ غَدِكَ
مَشَاتِلَ بَوَّابَةٍ حَجْمُهَا الكَوْنُ
تَهْزَأُ بِالوَهْمِ إِذْ يَمْتَطِيهِمْ
وَتَفْتَحُ كُلَّ المَعَابِرِ لَكْ
 
الغزالة – ديسمبر 2012 – 1 جانفي 2013

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القصة والتراث

تكريم الهكواتي

أنا أيضا ... حوماني